تعددت وسائل الاتصال والاستقبال للمكالمات التلفونية، حيث أخذ البعض يتفننون بالرموز التي يبتدعونها، للأشخاص الذين يتصلون بهم، إما على شكل صورة أو نغمة موسيقية أو خلاف ذلك. وكل تلك الطرق من وجهة نظري هي مجرد حركات صبيانية إن لم تكن طفولية، وليس معنى ذلك أنني أرفضها أو استهجنها، فلم يخطر على بالي ذلك، لأنني على يقين أن الإنسان مهما تقدم به العمر لازال يحمل في أعماقه أثرا من آثار الطفولة لا يمكن أن يمحى إلا في القبر. ومع أنني أحب اللعب أحيانا كالأطفال، إلا أن شاشة جوالي إذا اتصل بي أحد لا يظهر عليها سوى اسم من خزنتهم عندي بالأحرف العربية أو اللاتينية، وإذا لم يكونوا مخزنين فلا تظهر غير أرقامهم، وما أكثر ما سألت من يتصل بي السؤال المتكرر: مين معي، أو من المتصل؟!، ويخبرني عن اسمه، وما أن تنتهي المكالمة فسرعان ما أنسى اسمه. وهذه علة متأصلة بي، كثيرا ما تحرجني ليس بالمكالمات التلفونية فقط، ولكن حتى في المناسبات الاجتماعية، فمثلا قد أقابل أحدهم عند مدخل المناسبة، فيصافحني ويعرفني باسمه وأعرفه باسمي، وغالبا ما تتبع المصافحة عناقات وضحكات وتشريفات، وأدلف بعدها إلى قاعة المحفل، وآخذ مقعدي على إحدى الطاولات الدائرية المتحلق حولها لفيف من الأشخاص بعضهم أعرفهم وبعضهم لا أعرفهم، فأدبا مني أسأل كل واحد لا أعرفه عن اسمه، وأتفاجأ من يقول لي: ولو يا أستاذ مشعل قبل دقائق كنا مسلمين ومتباوسين، أو يرد علي الآخر: عسى خير ؟!، الظاهر أن (الزهايمر ) عامل عمايله معاك، قبل شويه قلت لك اسمي، أما بعضهم فلا يرد علي إطلاقا ويشيح بوجهه عني معتقدا أنني أهنته باستعباطي وسؤالي، خصوصا أنه قد قدم لي شخصيته متبوعا باسمه الرباعي. ومع هؤلاء جميعا كامل الحق، فليس هناك أبيخ ولا أسمج من أن يذكر لك أحد اسمه ثم تنساه نهائيا مجرد أن يدير لك ظهره، لهذا أحاول ما استطعت أن أتحاشى حضور المناسبات الكبيرة والرسمية، ولا أحضر سوى المناسبات الحميمة المقتصرة على عدد لايزيدون على الخمس أصابع، ولو كان المجموع اثنين أنا واحد والآخر واحد، يكون أحسن، عموما إنني في أحسن حالاتي أكون مثل تلك المرأة التي تدور على ولدها، وهو على كتفها. أعود لمسألة الرموز التلفونية، ففي إحدى الجلسات (الخماسية) رفع ضغطي (هلفوت صعلوك منتوف)، أعرف أنه في بيته لا يهش ولا ينش عندما زعم قائلا: إنني عندما أتصل على زوجتي لا يظهر على شاشة جوالها سوى اسم وصورة (هتلر ). قالها دلالة انها ترهبه، فما كان مني إلا أن أقول له متهكما: إذا لم يكن في استطاعتك يا فالح أن تعض، فأرجوك اخرس ولا تنبح. غير أن الآخر الجالس أمامي (بانشكاح) كان سعيدا وصريحا وواضحا وروحه رياضية إلى أبعد الحدود، وذلك عندما قال لنا وهو يضحك: هل تصدقون يا جماعة أن زوجتي وضعت لي بجوالها إشارة لطيفة، فبدلا من أن تظهر على شاشة جوالها صورتي أو اسمي، لا تسمع هي عندما اتصل عليها غير نهيق الحمار. فقلت له: (عز الله إنها بنت أبوها) وعرفت تختار، أرجوك سلم لي عليها..