منذ كنا وكنتم أطفالا ونحن نحفظ (العقل السليم في الجسم السليم)، وأحسب أن أكثر وزارتين ينطبق عليهما هذا المثل هما: وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم؛ فالصحة مسؤولة عن الأجسام السليمة، كما أن التعليم مسؤول عن إيجاد العقول السليمة، وبما أن مجتمعنا يشكو من صحته ومن تعليمه فإن ذلك يؤكد أنه ما زال يشكو من علله الجسدية والعقلية!! كنت وما زلت أقول: إن وزارتي الصحة والتعليم هما أهم وزارتين في الدولة؛ فلا أحد يخلو من مرض على الإطلاق، كما أن كل أسرة في بلدنا مرتبطة بالتعليم، وبالتالي فكل فرد عينه على إحدى هاتين الوزارتين أو على كلتيهما، ولأن الجانب السيئ هو الذي يبرز دائما فإن نقدهما لا يتوقف على الإطلاق، وبالتالي فإن المسؤول عن إحداهما سيشمله هذا النقد منذ بداية عمله وحتى خروجه منه، ولا أعرف من أستثني من هذه القاعدة إلا الدكتور القصيبي رحمه الله.. الدولة بذلت الكثير من أجل التعليم، ولم يكتف خادم الحرمين الشريفين بميزانية الوزارة، حيث خصص لتطوير التعليم عدة مليارات، وقد زاد هذا الدعم مؤخرا ليصبح ثمانين مليار ريال وهو مبلغ كبير قادر على إحداث كثير من التغييرات في بنية التعليم إذا أحسن الاستفادة منه. والمال بطبيعة الحال غير قادر وحده على تطوير التعليم فهناك ما هو أكثر أهمية منه. ومنذ أن جاء الوزير الجديد (الأمير خالد الفيصل) والحديث عن التعليم لا يكاد أن يتوقف. هذا المشهد يعني أن المجتمع ليس متفقا على رأي واحد، ولأن التعليم -كما ذكرت- لكل أبناء المجتمع فلا بد لواضع سياسة التعليم أن يحسب لكل تغيير حسابه الدقيق؛ فالأسر في نهاية المطاف ستحرص على إقناع أبنائها بما تراه صحيحا، وهذا يستدعي أن يحسب لهذا الأمر حسابه!! من السهل تغيير المناهج ولكن من الصعب تغيير العقول والقناعات، وإذا كانت القناعات مبنية على أسس فقد يكون من المستحيل تغييرها!! أعرف سلفا أن الكل في بلادنا سيقول: إن ما أنادي به مبني على الإسلام، ولكن من سيصدق هذا الكلام خاصة في أيامنا هذه؟! إن التشكيك والتصنيف والتحزب لرأي أو جماعة وكيل الاتهامات جعلت من زرع الثقة بين طوائف المجتمع أمرا في غاية الصعوبة؛ والحديث عن التعليم والمناهج من أكثر الأمور التي تثير الحساسية والاختلاف بين الناس. والسؤال الذي أعتقد أن الكل يطرحه: ماذا نريد من التعليم؟! وأعتقد أن الإجابات كثيرة ومتعددة، وهنا -أيضا- أعتقد أن على صانع التعليم أن يضع في اعتباره كل تلك الإجابات لأنه -وببساطة- يقدم التعليم لهؤلاء وليس لنفسه!! وأحسب أن الغالبية العظمى من الناس ستتفق على أننا نريد من التعليم مساعدة أبنائنا على الرقي بأنفسهم ماديا ومعنويا، وأيضا تمكينهم من خدمة بلادهم علميا لتكون في مصاف الدول المتقدمة، فلا تعود تعتمد في طعامها ولباسها وصناعتها على غيرها، وفي الوقت نفسه نريد حماية أبنائنا من المبادئ المنحرفة على تنوعها، لأنها تفسد الأخلاق والضمائر والنفوس.. وعلى افتراض أن هذه الإجابات تمثل الغالبية، فالسؤال: كيف يمكننا تحقيقها؟! أعتقد أن المعلم هو الركيزة الأولى في العملية التعليمية، والتعامل معه يجب أن يكون بإعطائه الثقة في نفسه، وتحسين أموره المادية، وكذلك تحسين البيئة التعليمية (المدرسة والنصاب التعليمي، والدورات التدريبية، والأنظمة التي تحمي كرامته)، ثم يأتي دور المنهج الذي يلبي طموحات الوطن في أبنائه، والحديث عن المناهج أمر يطول، ويكفي أن نعرف أن صلة الطالب بكتابه تنتهي غالبا بعد أدائه الامتحان وتقطيع الكتاب بعد ذلك. والمدرسة هي الركيزة الثالثة ولعل الجميع يتفق معي على أن معظم مدارسنا لا تصلح للتدريس؛ وإذا كانت (أرامكو) هي قدوتنا حاليا فأقترح أن نقلدها في طريقة بناء مدارسها، فهي نموذج يستحق التقليد. أعرف أنني اختصرت الحديث عن التعليم، لكنها إشارات لعلها تكون إضاءات على الطريق الطويل الذي يجب أن نسلكه من أجل وطننا وأبنائنا ومستقبلنا.