منذ بدء الخليقة كان هناك آدم، أما في الاقتصاد فكان هناك آدم آخر اسمه آدم سميث، ومع كتابه «ثروة الأمم» ظهر الاقتصاد السياسي كأحد أدوات العلوم الاجتماعية الأكثر رواجا وتطورا، وجاء من بعده رواد الاقتصاد بطبعات مختلفة، مثل ريكاردو ومالتس وجون ستيوارت وغيرهم، إيذانا بظهور النظرية التقليدية أو الكلاسيكية في الاقتصاد. ثم تتابع ظهور النظريات الاقتصادية إلى أن ظهرت فكرة الحق، التي جعلت من حقوق الإنسان مسألة في صلب قضية التنمية الاقتصادية، وهو ما يؤكد عليه الاقتصادي الهندي الشهير الحائز على جائزة نوبل «سن» من أن التنمية الاقتصادية مرتبطة بالحرية، وأن الأمر لا يتوقف على الاعتراف بالحقوق في الأنظمة والدساتير، بل لا بد أن تصاحبها حماية قانونية وقضائية سريعة وفعالة في إطار نظام اجتماعي وقيمي خلاق. فوكوياما في كتابه عن «الثقة» كان الأكثر وضوحا في هذه المسألة وأنه يستحيل تحقيق ازدهار اقتصادي مستدام وسط مظاهر الفساد مهما كانت الموارد، مؤكدا أن المجتمعات التي حققت نجاحا اقتصاديا هي المجتمعات التي تقوم على العدالة والثقة المطلقة في التعاملات. ولو نظرنا إلى اقتصادنا لوجدنا أنه تعوزه في بعض مفاصله هذه الخاصية الهامة، وهي انعدام الثقة في التعاملات وهو ما أثر على الدورة الاقتصادية في البلاد وحيد مصادر التمويل وانسحب ذلك على التعاملات الخارجية، وانعكس بالسالب على كافة القطاعات الرئيسية للبلاد كالصناعة والسياحة والإسكان والمقاولات.. الخ. لكننا -رغم ذلك- لم نجد مؤلفا واحدا يتناول هذه الجوانب.