الخبر كان موجعاً.. ولأننا لا نملك إلا الاستسلام لقضاء الله وقدره كان علينا ونحن نودع الأحباء إلى مثواهم الأخير أن نستذكر حياتهم وما قدموا فيها.. مآثرهم وخصالهم.. إخلاصهم وتفانيهم.. عطاءهم وذكراهم.. علينا أن نقدم جزءاً صغيراً من العرفان بالجميل لقامات سيظل أريج عطرها باقياً في النفوس. وفاء لكل ذلك يصعب على المرء وهو ينعى زميلا عزيزاً وأخاً فاضلا ومهنياً من الدرجة الأولى خدموا في مهنة المتاعب جل عمرهم وظلوا حتى اللحظة الأخيرة مثالا نادراً وشمعة تحترق بهدوء وفي صمت .. يصعب على المرء أن يودع إحدى القامات المهنية في الإعلام السعودي الحديث بمجرد كلمات تعبر عن قيمة الفقد وعظم المصاب. زميلنا المبدع محمد أبا حسين نائب رئيس جريدة الرياض (سابقاً) ورئيس التحرير لجريدة الجزيرة واحد من هؤلاء الذين غادرونا بعد رحلة عمل طويلة صامتة في أغلب الأحوال لكنها مضنية بقيمة العمل بعيداً عن الأضواء والصخب والدخول في معارك مفتعلة كان همه الوحيد هو الإنجاز بكل القيم التي تعلمها جيلنا مصحوباً بتواضع جم وخلق استثنائي نادر هادئ إذ بالكاد تسمع صوته هكذا كان كمعلم راق يحلق بجناحيه في فصل دراسي مليء بالصخب. الفكرة عند فقيد الصحافة السعودية محمد أبا حسين هي الهدف مهما تعددت الطرق والوسائل ولكن التميز في تحقيقها هو ما يعكس الفارق بين الشخصيات. ربما كان هذا أحد الدروس المهمة التي رأيتها في أبا حسين في كثير من حالات الاقتراب المباشر بيننا رغم المشاغل في السنوات الأخيرة لكن بقيت جذوة الحماسة التي أشعلها متقدة في نفوس كل من اقتربوا منه وصادقوه وزاملوه وتعلموا منه ليس فقط ولكن كانت توجيهاته لتلامذته ومحبيه تأتي دون انفعال ربما كان يقسو أحيانا ولكن هناك في داخل القلب طيبة غير متناهية ومحبة لا حد لها .. محمد أبا حسين، الذي تعلمت منه الكثير في محطتي الأولى جريدة الرياض، كان معلماً بارعاً ومهنياً محترفاً .. عشق الصحافة منذ نعومة أظافره، زاملته أيضاً في جريدة الجزيرة وكان نعم الصديق بكل ما تعنيه هذه الكلمة.. وداعا أبا عبد العزيز فقد كنت أحد رموز الصحافة في المملكة. «إنا لله وإنا إليه راجعون».