يحتضنهم مجمع الأمل للصحة النفسية بعد أن همشهم المجتمع وتخلت عنهم أسرهم فقدوا لذة العيد بقربهم كيف لا وهم لم يعودوا يكترثون لوجودهم. «عكاظ» زارتهم أول أيام عيد الأضحى واستمعت إلى أحاديثهم التي جاءت مزيجا من معاناة المرض والرضا بالقدر، وجوه ترى الأسى باديا على محياها بديلا عن الفرح الذي تستدعيه مناسبة العيد فهذا مريض نفسي أدخله ذووه إلى المجمع قبل 14 عاما ولم يسألوا عنه أو يزوروه، فكانت صدمته كبيرة من نكران أقاربه وجحودهم تعب من كثرة السؤال عنهم وطلب زيارتهم له وخاصة في أيام الأعياد ولكن لا أحد يزوره وأخيرا لجأ لأشد لغات الأرض قسوة لغة الصمت الأبدي، وآخر قدمنا له التهنئة بالعيد فكان السؤال: أهلي معاكم؟ فكانت الصدمة لنا وأخبرنا العاملون في القسم أن هذا السؤال هو ما يتكرر على لسانه لم يكل أو يمل منه رغم مضي أكثر من 16 عاما منذ أن أدخله ذووه المجمع ولم يسألوا عنه وخاصة في المناسبات العامة كالأعياد. ولم يقتصر النكران بين المرضى الذكور فها هي مريضة تعاني وحشة ألم بعدها عن أسرتها أدخلت للمجمع عام منذ 21 عاما وبعد استقرار حالتها رفض ذووها استلامها بحجة وجود ثلاث مريضات أخريات في نفس المنزل، وطلبوا إبقاءها في المجمع لحين إحضار الأوراق اللازمة لإدخالها إلى إحدى دور الرعاية الاجتماعية، لم يزرها أحد من أهلها منذ فترة طويلة، وهو ما كانت تعاني منه في البداية، ولكنها اعتادت الأمر مع مرور الأيام والسنين. ولكنها فقدت الرغبة والشعور بفرحة العيد أو حتى المشاركة في أية فعاليات. إخوتي لا يرغبون مشاركتي فرحة العيد مريضة منومة في المجمع قبل 18 عاما وكانت تخرج منه وتعود إليه حسب حالتها النفسية، حيث كان والدها حريصا على استلامها فور تحسن حالتها، وإشراكها في المناسبات العائلية والعامة كالأعياد ولكن توفي والدها ولم يعد أحد يرغب بإخراجها من المجمع ففقدت بفقد والدها لذة الاستمتاع بفرحة العيد. صدمة تجاهل الأهل مريض نفسي يعاني من الفصام وقد ظهرت أعراض المرض لديه في سن المراهقة (عمره وقتها 16 عاما) أسرته لم تعد ترغب بوجوده بينها أدخل المجمع عام 1420ه ورغم أن هناك جهودا بذلت لعودته لأسرته إلا أنها باءت بالفشل ولم يقتصر الأمر على هذا الحد بل إن الأسرة ترفض زيارته رغم رغبة المريض في ذلك والتي ينقلها العاملون في المجمع للأسرة ولكن لا حياة لمن تنادي. ما هي فرحة العيد؟ مريض آخر منوم في مجمع الأمل منذ عام 1417ه في الستينيات من عمره وحالته مستقرة بشكل كبير حيث يشارك في بعض الأنشطة والفعاليات التي تقام بالمجمع، دائما يسأل الفريق المعالج في المجمع «متى سأخرج؟»، اقتربنا منه وهنأناه بالعيد فرد التهنئة وكان رده مؤشرا ممتازا لنا فسألناه كيف تقضي العيد فقال مع إخواني المرضى، وأضاف: صحيح أنني فقدت لذة العيد ببعدي عن أسرتي وعدم زيارتهم لي ولكن ما يبذل من جهد داخل المجمع يخفف عني جزءا من الألم حيث يتم تنظيم احتفالات معايدة مثل اللي شاركتونا فيها والاحتفالات الأخرى مثل اليوم الوطني والإفطار الرمضاني ويذكر العاملون أن أهله لم يتواصلوا مع إدارة المجمع منذ دخوله تقريبا وهذا الأمر أثر عليه بشكل كبير في بادئ الأمر وكان قد تم إدخاله عن طريق أحد أقاربه الذي وقع إقرارا باستلامه فور تحسن حالته واستقرارها، وتزويد المجمع بأرقام الاتصال الخاصة به، إلا أنه أخل بهذا الإقرار وهو ما ساهم في بقائه بالمجمع كل هذه المدة. الأسرة هي الجزء الأهم في العلاج من جهته أوضح ل «عكاظ» رئيس قسم الصحة النفسية واستشاري الطب النفسي بمجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض الدكتور مازن أبو الهيجاء دور الأسر في التعامل مع أبنائهم الذين يعانون من الأمراض النفسية، وذلك في جميع المراحل التي يمر بها المريض، ففي مرحلة بداية المرض يقول أبو الهيجاء: «على الأسرة تفهم طبيعة المرض وتمييز الاختلاف الحاصل في حالة المريض وسلوكه وأفكاره عن الحالة الطبيعية من خلال الاهتمام الدائم بالترابط الأسري بين أفرادها ومن ثم إسراع الأسرة في طلب المساعدة من الجهة الطبية المختصة وعدم إضاعة الوقت بالذهاب إلى جهات أخرى لأن هذا يؤدي إلى ضياع كثير من الوقت مما يسبب ازدياد وتعقيد حالة المريض وبالتالي يجعل العلاج عملية أكثر صعوبة ونتائج العلاج أقل فاعلية وفائدة». وفي مرحلة التشخيص والعلاج تظهر أهمية تفهم الأسرة لطبيعة المرض من خلال أخذ المعلومات من الأطباء المعالجين وليس غيرهم، وبالنسبة لمرحلة التشافي يتمثل دور الأسرة في توفير كل الدعم والعناية بالمريض والتعامل معه كفرد مهم منها وتشجيعه على أخذ العلاج والاندماج في العمل والمجتمع والمحافظة على مكاسب المرحلة السابقة. لجنة لتنظيم احتفالات العيد من جهته أكد رئيس قسم التأهيل الطبي والأنشطة بمجمع الأمل بالرياض الأخصائي النفسي خالد بن عبدالله الشهراني على أن القسم يقوم بتقديم العديد من الخدمات والبرامج للنزلاء والتي تهدف لدعم العملية العلاجية لهؤلاء النزلاء، ويضيف إن عملية تأهيل المريض تعتبر من أهم الخطوات العلاجية، على الرغم من أنها آخر مراحل البرنامج العلاجي للمريض، مشيراً إلى أن هذه العملية تقلل من حدوث الانتكاسات النفسية مستقبلا لدى المرضى، موضحا أن هناك العديد من البرامج البرامج التأهيلية التي تقدم للمرضى، ذاكراً أنَّه تمَّ إنشاء لجنة مُكوَّنة من عدد من الموظفين والموظفات بالمجمع، مُهمتها تنظيم العديد من الأنشطة الخاصَّة بالأعياد والمناسبات الوطنيَّة والعامَّة. بهدف إدراج النزلاء في هذه المناسبات وتعويض تقصير الأسر في القيام بواجبها تجاه أبنائهم المرضى حيث يتم توزيع الهدايا والورود عليهم ومنحهم فرصة الالتقاء بالشخصيات المجتمعية التي تبادر بالموافقة على مشاركة المرضى في هذه المناسبات وكذلك مشاركة الجهات الحكومية وخاصة المنظمة للاحتفالات والأعياد ومنها أمانة منطقة الرياض التي تقدم المسرحيات لهؤلاء المرضى ومشاركة الفرق الشعبية لهم. الأخصائي أول خدمة اجتماعية وفية ناصر الهايف تقول «خلال فترة عملي في مجمع الأمل والتي بدأت قبل عشرة أعوام جعلتني أتأكَّد أن (70%) تقريبا من علاج الحالات المستفيدة من المجمع تعتمد بشكل أساس على اهتمام الأُسرة ودورها كبير في الوقاية من المرض واحتواء المريض ومنع انتكاسة حالته، مطالبة بسن قوانين تُلزم ذوي المريض بزيارته ومشاركته في المناسبات العامة وباستلامه عقب تماثله للشفاء وتأهيله بشكل يجعله قادراً على الانخراط في مُجتمعه من جديد، إلى جانب حمايته من كافَّة الأمور التي قد تجعله عُرضةً للعودة إلى ما كان عليه سابقاً، منتقدةً من يعتقد من الأهالي أن المجمع بمثابة دار إيواء وليس مكاناً للعلاج والتأهيل للمرضى، كما أكدت على أهمية مشاركة الأسرة للمريض فرحة العيد حيث إن هذا الأمر يعطيه موشرات عن رغبتها بعودتها وبالتالي تمنحه دافعا معنويا للتفاعل مع العلاج المقدم له رغبة في الاستقرار الصحي والعودة إليهم».