رغم المعاناة ومضي السنين يقف كبار السن الذين يؤمنون بأن العطاء والعمل لا يتوقف في وجه الظروف مواصلين حياتهم اليومية بكفاح كما يجب دون شكوى غير آبهين بالراحة أو البحث عنها. في الجهة الشمالية لحي الشماس أحد أقدم الأحياء في مدينة بريدة وخارج البنيان لم يستكن عدد من كبار السن لليأس والبقاء في المنازل بل صنعوا أحلامهم بعد الستين في مجال العمل وحتى في البحث عن المتعة في الالتقاء والاختلاط بالناس والتواصل مع العالم المحيط بهم لم يعرفوا ذلك المعروف باسم الكسل ولم يداخلهم الإحباط من ضيق ذات اليد وندرة الفرص. حي الشماس من الأحياء التي تحتاج إلى التفاتة عاجلة من حيث التنظيم وحالة السكان الاجتماعية ورصد المتغيرات الجديدة في دخول السكان الجدد من الأفارقة الذين جذبتهم الإيجارات الرخيصة للمنازل القديمة التي هجرها السكان إلى الأحياء الجديدة ورغم تمسك الكثير من المواطنين بمساكنهم وتطويرها والبقاء بها تظهر حالة الفقر في المجتمع مما استدعى أن يتم إنشاء مستودع الشماس الخيري الذي يقدم جهودا كبيرة تحتاج إلى الدعم الخيري لإيقاف حالة العوز التي تحيط بالسكان من المواطنين. في مساحة خالية من البناء يقف محمد بن إبراهيم بن عامر (85 عاما) شامخا يدير عمله يتكئ على عصاه يبيع الأخشاب المستخدمة في تجارة لا تدر الربح ولكنها تساعد الرجل الكبير على حياته وإطعام بناته وأبنائه قائلا: لدي 10 بنات منهن المتزوجات وغير المتزوجات ولدي مطلقات بينما لدي ثلاثة أبناء أصغرهم في الجامعة.. قائلا أسكن وعائلتي في بيت شعبي وردد عبارة «ستر ابن آدم حياته». وعن عمله قال في أيام الشباب عملت في البناء في منازل الطين وبعد أن تطور البناء لم يعد لنا أي دور، وعملت بالسواني ومع تطور وسائل الري أيضا أصبح العمل غير متاح وأصبحت ظروف الحياة أصعب والمطالب الأسرية تتزايد يوما بعد يوم، وبدأت ممارسة البيع والشراء في المستهلك من الحديد والأخشاب وأجمع الخردة وكل ما يمكن أن يدر رزقا يطعم أبنائي وقبل سنوات وضعت هذا السياج بعد أن استأذنت أهل الأرض وبدأت أشتري الأخشاب المستخدمة وأبيعها ورغم أن المكسب لا يذكر إلا أنه باب رزق. وأضاف تخيل أن يمضي يوم كامل وكل العائد من البيع لا يتجاوز ريالين ومع ذلك سوف أبقى في مكاني هذا متى ما كنت قادرا على أداء العمل. وأطلع «عكاظ» على موقع أسفل بطنه تعرض للفتق جراء حمل أحد الألواح قائلاً لم تعد الصحة كما هي، وعن الأبناء قال الكبار في حياتهم وعوائلهم والثالث طالب في الجامعة والبنات منهن من هي في منزلي وأخريات مع أزواجهن ودائما هم البنات كبير ورغم العوائد التي تصلنا إلا أن متطلبات الحياة تفوق ما نحصل عليه. وقال رسالتي للشباب.. الحياة تحتاج إلى كد وعمل وعلم لا تنتظروا ما لا يمكن أن يصل مارسوا العمل واحرصوا على طاعة الله ورضاء الوالدين وعليكم بالتواصل مع المجتمع وتلمس حاجات الناس لأنه سيأتي يوم تحتاج الناس كما هم بحاجتك. وفي مكان آخر ورغم أنه رفض التصوير إلا أن أبو علي الذي يعمل في خياطة الأحذية التالفة والمقطوعة قال ل «عكاظ» إن العمل ليس عيبا للكبير والصغير ونحن بحاجة ماسة للعمل حتى لا نمد أيدينا إلى الناس خصوصا من لم يعمل موظفا ولا يملك راتبا تقاعديا وليس لديه دخل ثابت. وزاد الكثير من المحتاجين وأهل الظروف الصعبة يحصلون على معونة من الضمان والجمعيات الخيرية ولكنها لا تسد الحاجة نهائيا والحل لمن يستطيع أن يعمل، مشيرا إلى وجود من يستعيب بعض الأعمال ولكن العيب الأكبر هو أن تستطيع العمل ولا تعمل. وفي بسطة خضار في طريق القناة شمال حي الشماس قال مشوح محمد المشوح إنه في هذا الموقع منذ ست سنوات يعمل من أجل أن يطعم أبناءه ويساعد نفسه على تكاليف الحياة قائلا هناك فرص كثيرة للعمل ولكن للأسف الجهات المعنية لا تساعدنا على أن نعمل وكلي أمل بأن تمنحني البلدية تصريحا بأن أجهز مبسطي الصغير هذا، وأن أضع احتياطات تحفظ الخضار والفواكه التي أبيعها من التلف. وزاد نحتاج نحن الباعة لتنظيم يساعدنا ويحمينا من المطاردة، مضيفا «تخيل أنك قد لا تحقق في يومك ربحا يذكر أو تحقق خسارة قاسية كوننا نبيع ما يسهل تلفه ويحتاج إلى عناية وتجهيزات لحفظ البضاعة وتأمينها من السرقة، وقال مثلي بلا وظيفة ولا شهادة وكبير بالسن يحتاج إلى دعم يشجعه على العمل ويحفظ كرامته في مجال عمله وهذا مطلبي الأول والأخير والبيع والشراء ربح وخسارة» . في جوار مبسط مشوح للخضار كانت جلسة خاصة لأصدقاء فوق الستين تحدثنا إليهم عن همومهم ومرئياتهم للمستقبل، حيث قال ناصر إبراهيم الشويعي كنت أعمل في مكتب رعاية الشباب في بريدة وكان جل عملي مع الرياضيين في المنطقة وحاليا أنا متقاعد أصبح برنامجه اليومي مفهوما وتقليدي جدا. واسترجع قصته مع العمل قائلا بدأت العمل عام 1377ه وكان راتبي 150 ريالا وكانت الزيادة لا تتجاوز 10 ريالات لكل عام، وكانت تصرف كل عامين، ومن الذكريات أنني اشتريت سيارة كان قسطها الشهري 150 ريالا أي الراتب كاملا، ومع ذلك لم أستكين في وقتها وكان شراء تلك السيارة فرصة لمعرفة أوجه عمل مختلفة تتمثل في بيع وشراء السيارات وكان المكسب يكفي مصروفات الحياة. وأضاف، تزوجت واشتريت منزلا وغامرت في الكثير من التجارة، وحاليا وجدت أن الراحة حق من حقوقي ولكني مع ذلك أقوم بأداء كل أدواري مع العائلة، حيث أتولى إيصال أبنائي وبناتي للمدارس وأعيدهم بعد نهاية اليوم الدراسي، حيث رزقت بخمسة من الأبناء وأربع بنات وأقضي أوقات الصباح الأولى في استراحة أملكها أتولى سقاية الزرع وبعد ذلك التقي بعدد من الأصدقاء منهم المتقاعدون ومنهم من يعمل بمهن أخرى حيث نقضي جزءا من يومنا نتحدث في أمور الحياة وقد يحدث فرص بيع وشراء لأن الحياة عمل مستمر. فيما كان فهد محمد الجريس (متقاعد بعد 32 سنة عمل في تعليم البنات) جالسا بين عدد من الجالسين قرب مبسط خضار الخضار، وقال إنه أمضى كل سنوات العمل في مكتب واحد وتغير خلال تلك السنوات خمسة من المديرين في قسم المشتريات ورغم ذلك قررت أن أجد للراحة طريقا بعد كل تلك السنوات ولكن نحن كمتقاعدين في بريدة لليس لدينا جمعية ترعى مطالبنا ولا يوجد محفزات لتجديد النشاط كوجود ديوانيات في الأحياء أو مجالس مخصصة لنا خصوصا غير القادرين على المساهمة في إنشاء مثل هذه المواقع. وأضاف بعد صلاة الفجر أتجول على منازل شقيقاتي وأقضي احتياجاتهن كون أبنائي يقضون حوائج المنزل. وأضاف اهتماماتنا لم تصل إلى حد التطور الحالي ولم تعد كما كانت ومع ذلك نبحث عن التسلية، وعرج على اهتمامات الشباب، وقال لو رصدتها لوجدتها مختلفة منها الكثير الضار، وعن الرياضة قال نتابع كرة القدم بعض الأحيان ولكن للأسف ليس لدينا كرة قدم حقيقية تجذب والدليل قارن بين مباريات برشلونة وريال مدريد وبين مباريات الدوري عندنا أو المنتخب، وطالب الشباب في ختام حديثه بأن يركزوا على العمل فهو السبيل للحياة الكريمة بعد رضا الله.