شهدت الأيام القليلة الماضية عددا من الفتاوى والتصريحات الشاذة التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط الدينية والثقافية، وكانت مبعثا للسخرية والتندر بل والتهكم على الإسلام في بعض وسائل الإعلام العربية والغربية، ومن بين أكثر تلك التصريحات والفتاوى إثارة للجدل كانت دعوة رجل الدين عبدالله الداوود إلى تغطية وجه الطفلة المشتهاة وفرض الحجاب عليها منذ سن الثانية، بالإضافة إلى مطالبة إحدى الأكاديميات بعدم اصطحاب السعوديات لأبنائهن في الأماكن العامة لئلا يقيس الآخرون جمالهن بجمال أبنائهن، كما أن فتوى الداعية الدكتور محمد العريفي التي تراجع عنها مؤخرا بعد أن قال بأن القاعدة لا تتساهل في إراقة الدماء أو تكفير المسلمين، أحدثت الكثير من اللغط ، وحول تلك الفتاوى المختلفة أكد علماء وشرعيون خطورتها، لافتين إلى أن صدورها لا يستند إلى دليل من الكتاب والسنة أو لا يكون مطلقها على اطلاع كاف بالأحداث المعاصرة، وهذا يعد تعديا واضحا على المجتمع بأسره، وأشاروا إلى أن انتشار التصريحات والفتاوى الشاذة يؤدي إلى تشويه الإسلام، وسخرية الآخرين، فضلا عن الغلو والمبالغة التي تشتمل عليها الكثير من التصريحات والفتاوى. وطالبوا بضرورة اللجوء إلى الدليل الشرعي من الكتاب والسنة، وضرورة تلقي الفتوى أو الاجتهاد من الراسخين في العلم الشرعي المراعين لضوابطه، كهيئة كبار العلماء، وليس كل ما استحسنه المرء نشره ونسبه إلى الدين، منادين بأهمية أخذ المرء فتواه من أهل العلم الموثقين وألا تنشر الفتاوى الشاذة. وأوضح عميد كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا الدكتور سعود الفنيسان أن الرأي الذي طالبت به إحدى أساتذة الفقه في ندوة علمية نظمتها الجمعية الفقهية السعودية بعدم سير السعوديات بجانب أبنائهن في الأماكن العامة لئلا يقيس الناس مستوى جمالهن بصورة أبنائهن، لا ينبغي إثارته. وقال هذا الرأي سواء أكان صائبا أم خاطئا، ليس ظاهرة، ولا يمثل مخالفة لحكم شرعي، ولا أستطيع التعليق عليه إلا بأن النظر إلى الأمرد بشهوة لا يجوز. وحول ذات الرأي علق عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية الدكتور هاني فقيه بقوله: هذه الاجتهادات تحمل شيئا من الغلو والمبالغة، وتنقل صورة سيئة عن الإسلام، وتصبح عرضة لسخرية الآخرين. وأوضح أن عدم اصطحاب المرأة لطفلها الجميل حتى لا يقيس الآخرون جمالها بابنها لا يستند إلى دليل شرعي، مبينا أن الاجتهاد في الإسلام له ضوابطه التي من أهمها أن يكون المجتهد راسخا في العلم، واصفا الرأي السابق بالشخصي، مطالبا بضرورة مراعاة الضوابط الشرعية وليس كل من استحسن أمرا له أن ينشره وينسبه إلى الدين. واستشهد على هذا الرأي بقول الإمام الشافعي: «من استحسن فقد شرع»، أي من أعجب برأي لا يستند إلى أي دليل شرعي تجده أحيانا يبثه وكأنما يشرعه. وأوضح أن جمال طفل المرأة ليس من الضروري أن يشير إلى جمال والدته، فكثير من الأطفال يأخذ من عرق أجداده ولا يمثلون أمهاتهم. ونادى بضرورة ألا تتفاقم مثل هذه المسألة التي لا تستند إلى دليل شرعي قائلا: «نحن مرتبطون بالحلال والحرام وفق الدليل الشرعي». من جانبه، نادى الأستاذ بجامعة أم القرى الدكتور إحسان المعتاز بضرورة التحري للفتاوى المنسوبة إلى الغير، قائلا: «ربما البعض لم يقل ما نسب إليه، أو ربما قصد به معنى آخر، لافتا إلى ضرورة الرجوع إلى المصادر الموثوقة من هيئة كبار العلماء». وأشار إلى أن الفتوى إن تبين مخالفتها لما جاء في مصادر التشريع وما نص عليه العلماء السابقون فلا يؤخذ بها. وأضاف: «الفتاوى الشاذة درجات، فالمتعلقة منها بحياة الناس أو بأعراضهم وأموالهم أعظم خطورة على حياة الآخرين»، قائلا: «لا ينبغي الالتفات إليها». وطالب بضرورة توعية الناس بالمصادر التي يتلقون فتاواهم منها كهيئة كبار العلماء وتذكيرهم بالبرامج المحلية التي يتصدر الفتاوى فيها العلماء الموثوقون. وعن شأن التسرع في إطلاق الأحكام على الغير ثم التراجع كما حدث في قصة العريفي والقاعدة، فقال: لا ينبغي التسرع في الحكم على الآخرين إيجابا أو سلبا بل ينبغي دراسة ذلك والتأكد والاستخارة قبل إطلاق الأحكام، خصوصا إن تعلق الأمر بدماء وأعراض وأموال الآخرين، وخلص: السكوت سيد الموقف أمام الأسئلة التي لا يعرف المرء إجابتها. أما عضو مجلس الشورى سابقا الدكتور محمد آل زلفة فبين أن الفتاوى الشاذة التي ابتلي بها العالم الإسلامي والتي تخرج من المفتين غير المؤهلين أول من يستغربها ويستنكرها هم العلماء الثقاة، مطالبا الناس الرقي بوعيهم وألا يستمعوا إلا للراسخين من أهل العلم، والتوضيح لهم بعدم جواز الاعتماد على أصحاب الفتاوى الشاذة. وعن شأن ورود فتوى بتغطية وجه الفتاة المشتهاة وفرض الحجاب عليها منذ سن الثانية فلفت إلى أن هذه الفتوى تنم عن مرض نفسي إذ يحتاج من شذ في فتواه اللجوء إلى العيادات النفسية، وخلص: الإسلام دين يسر وسهولة لا عسر وتنفير.