في وقتٍ تصاعدت فيه المخاوف من مواجهة جديدة بين قوتين نوويتين في جنوب آسيا برزت المملكة العربية السعودية كلاعب حاسم في تهدئة التصعيد عبر تحرّك دبلوماسي سريع ومدروس، أعاد رسم مسار الأحداث، هذا تحركٌ يقوده العقل والحنكة، ووراءه قيادة ترى أن السلام ليس خيارًا ثانويًا بل التزام أخلاقي وإستراتيجي. وجاء هذا الحضور الدبلوماسي اللافت ترجمة عملية لنهج السعودية في صناعة الاستقرار، حيث تجلّى مؤخرًا عبر وساطة نشطة بين الهندوباكستان، ففي خطوة دبلوماسية تعكس اهتمام المملكة باستقرار المنطقة زار وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، الهند في 8 مايو 2025، تلتها زيارة رسمية إلى باكستان في 9 مايو، ما يعكس تحركًا سعوديًا مباشرًا تجاه التصعيد الحاصل بين الجارتين النوويتين. وقد التقى الجبير خلال زيارته بإسلام آباد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الباكستاني، إسحاق دار، وعددًا من القيادات السياسية، وبعد أربعة أيام فقط؛ أي في 10 مايو، تم الإعلان عن اتفاق وقف شامل لإطلاق النار بين البلدين، وتؤكد هذه التحركات أن القيادة السعودية الرشيدة حريصة على تهدئة النزاعات، وخلق بيئة للحوار السياسي، انطلاقًا من مواقف المملكة الثابتة في ترسيخ السلام الإقليمي والدولي. وتُستمد هذه الرؤية من مبادئ الإسلام، وقيمه الداعية إلى السلام، كما في قوله تعالى: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}، (سورة الأنفال 61)، وهو ما تطبقه المملكة منذ عقود في تعاملها مع الأزمات العالمية، ويبرز ذلك من خلال اتفاق الطائف عام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، إضافة إلى الوساطة بين إريتريا وإثيوبيا عام 2018، ومبادرة السلام في اليمن 2021، وجهودها في محادثات السودان عام 2023. إن الوساطة السعودية الأخيرة بين الهندوباكستان تمثل نموذجًا حقيقيًا للدبلوماسية الحكيمة والفاعلة التي لا تقتصر فقط على المصالح المباشرة، بل تسعى إلى تعزيز الاستقرار والسلام العالمي، ومن خلال هذه الجهود تثبت المملكة مرة أخرى أنها قوة دافعة في المنطقة، تضع السلام والتعاون الدولي على رأس أولوياتها، وإن التاريخ يثبت أن الرياض كانت دائمًا حريصة على لعب دور الوسيط النزيه في العديد من الأزمات الدولية، مما يعزز مكانتها كأحد أبرز اللاعبين في الساحة العالمية. السعودية لا تقف فقط عند التوصل إلى حلول، بل تسعى إلى بناء جسور من الثقة والاحترام بين الأمم، متطلعةً دائمًا إلى تحقيق رؤية السلام المستدام، الذي يُعد جزءًا أساسيًا من رسالتها العالمية.