عرفات تزدهي فى كل عام وعلى مر الأعوام.. وعى التاريخ هذه القيمة الروحية والمعنوية والأدبية لعرفات الله.. وهي سفر تاريخي كان وما زال يفرد على صفحاته شتى صور المجد الإنساني الذي يتجاوز الإنسانية المادية بكل حقارتها وضآلة شأنها إلى ذلك الشأو الرفيع من الإنسان الراقي سموا وروحا. ولعل ثرى عرفات ووهادها وجبالها وطرقاتها وكل حبة رمل فيها تعي جيدا تلك الملاحم الفكرية التى بلغ فيها الفكر الإنسانى درجة من الارتقاء بل التحليق انسجاما مع الرسالات السماوية الخالدة.. وتجاوبا وتناغما وهديا وسيرا على نهج محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم. وقد يقول قائل لم الحديث عن عرفة الآن.. لأن الزمان والمناسبة والمكان هي السائدة الآن.. فعرفة تستعد لاستقبال ضيوف الرحمن ليشرفوا بها وتشرف بهم. التشجير في عرفة: ومع أن عرفة كمشعر من المشاعر المقدسة غنية بالعطاء وبالرموز السخية وبمكامن التفكير والتذكر.. والعظة.. إلا أن ما حملني على هذا الموضوع هو الشعور والانطباع الذي خلفه صورة عرفات.. فاسترعى انتباهى رغم الصور الشعورية العميقة فى إيماءاتها والتي تتل المرء من داخل أعماق ذاته.. أقول لقد شد اهتمامى تلك الخضرة التى تظهر واضحة متألقة تبعث إحساسا جديدا وتضيف شعورا يدخل دائرة المشاعر.. فالإحساس باللون الأخضر وسط وهج وهجير عرفة إنما يعني ويعكس مدلولات ويوحي بإيماءات تبعث على المزيد من الشعور بالطمأنينة والأمن والأمان. وغدا في اليوم المشهود وفي كل عام وعندما تترامى عرفات تفسح جنباتها لضيوف الرحمن وعندما يفيء ملايين المؤمنين تحت ظلال ذلك الشجر الأخضر تداعبهم النسمات الروحية الآتية من فوق من ربيع الجنة وعندما تتطاول الشجيرات لتقف فى شموخ صامدة فى وجه الأيام وتكبر في أحضان الزمان.. وبقدر ما تمتد ساحات الظل بعدا ما تكون الآثار الكريمة لهذا العمل.. فقد صرف على عرفات الكثير الكثير وتحولت بفعل الإصرار والرغبة فى النمو إلى مكان جديد فى كل شيء.. ومع كثافة الإقبال والزحام إلا أن الجهود الجبارة تذلل كل الصعاب.. فإن ما يجري أمر يفرض الاحترام والتقدير لكل من ساهم ويساهم فى صياغة هذا العمل المسؤول ولله الحمد والمنة. موكب الحجاج: بدأت زفة موكب الحجاج فالكل يسترعي انتباهه ذلك الموكب.. وأبرز ما يميزه الهدوء والفرحة تثب على الوجوه ترسم إطارا يتسع اتساع الخطوة بين السعودية وبلادهم.. وليقرأ على الوجوه ذلك الشعور الذي يترامى داخل الحاج وكيف يتملكه انه مسكون بالروحانية وبقدسية المكان وجلال المناسبة ويرتفع الذكر وتلهج القلوب قبل الألسن بالدعاء فهم يعايشون فرحة العمر بأداء الركن الخامس فى الإسلام.. وكم بذلوا فى سبيله من جهد وعرق.. وهاهم الآن يضعون الحلم على منصة الفعل ويبدأون المناجاة مع الله.. رائع ذلك المنظر ومهيب ومليء بالجلال وبالعظمة وبالروحانية.. لقد غطت سحابة من الإيمان وأخذت الآذان تصغي لواقع المشاعر الإيمانية فى إيقاعها الجميل.. الذى بنى جسورا تربط بين الأرض والسماء.. وفق الله الحجاج والمسؤولين من أجل أن يكون حجا مبرورا وسعيا مشكورا.. وعودة حميدة إلى أرض الوطن.. تقلهم مشاعر الرضا والطمأنينة والابتهاج آمين يا رب العالمين.