50 عاما أمضاها العم أحمد باداود أمام موقد النار الذي يستخدمه في إذابة الفضة قبل أن يعيد صياغتها وتشكيلها إلى حلي ومصوغات جميلة.. يعود العم باداود بالذاكرة للوراء فيقول بدأت العمل في صياغة الفضة منذ نعومة أظافري حيث إن هذه الصنعة ورثتها أبا عن جد، فالوالد كان له دكان في سوق البدو في باب مكة.. كما أن لي أعماما في حي جرول بمكةالمكرمة يعملون في هذه الصنعة.. وحرفتي هي صناعة المصوغات الفضية بأشكالها، كخواتم أبو محابس والدبل والأحزمة والبناجر والخرصان (تعليقات الأذن) والخلاخل والصمادة (توضع على الرأس) والعضاد (أسورة توضع في العضد) وعقود الهلال والهيكل والمريات والسعفة والدمالج (أساور توضع في اليد) وغيرها كثير، كما أقوم بعمل صيانة وتلميع لجميع المصوغات الفضية القديمة. وحول طريقة عمله يشير العم أحمد بقوله: نقوم بشراء الفضة القديمة المستعملة أو نشتري ريالات الفضة من الصرافين ومن ثم نقوم بوضعها في وعاء خاص بصهر الفضة وبعد ذوبانها نقوم بوضعها على قالب معين يسمى (المفراغ) وذلك على حسب التصميم المطلوب حيث إن هناك قوالب للسلاسل وقوالب للبناجر.. وهكذا.. ومن ثم نقوم بتشكيلها. ويضيف: مازال هناك طلب على الملبوسات الفضية القديمة خصوصا كبار السن من أهل البادية.. نعم الإقبال ليس كما كان في السابق ربما بسبب ارتفاع سعر الفضة وكذلك اختلاف عقليات الجيل الحالي عن الماضي. وهناك طالبات من كلية الاقتصاد المنزلي بجامعة الملك عبدالعزيز لديهن مادة يدرسنها تسمى (مكملات الملابس التقليدية) حيث يقمن بعمل التصاميم للحلي بصورة تجمع بين الحاضر والماضي ويقمن بنشر المعادن ومن ثم يحضرنها إلي لتلحيمها وطلائها بالفضة، وبعضهن عندما يطلعن على المنتجات القديمة يستغربن ممن كان يلبس هذه المنتجات، لأنهن يرينها ثقيلة الوزن وكبيرة الحجم وقديمة الموديل.. كما أن رخص أسعار الاكسسوارات المقلدة سبب من أسباب العزوف عن الفضيات. السياح كانوا يأتوننا كثيرا فيما مضى وكانوا يقدرون عملنا ويحبون الحلي القديمة غير المطلية لأنهم يرون فيها تراثا يستحق الحفاظ عليه. وهناك بعض الأندية كانت تحضر لي الكؤوس القديمة لإعادة طلائها.. ويشكو العم أحمد الآن من ارتفاع أسعار الفضة فيقول: كل شيء في هذا الزمن أصابته حمى الغلاء فالبناجر كنا نبيعها في الماضي ب 25 ريالا، الآن التكلفة فقط تصل إلى ال 60 ريالا، كما أن هناك أحزمة كنا نبيعها ب 1200 ريال الآن تكلفتها 2500 ريال. والآن انحسر كثيرا عدد الذين يبحثون عن المصوغات القديمة وصار اعتمادنا على العائد الذي يأتينا من الصيانة وتلميع وتنظيف القديم وهو عائد ضئيل ليس مجزيا، ولكن ماذا أفعل فهذه صنعتي التي لا أعرف غيرها.. وربنا يبارك في القليل.