يطغى صخب سوق (اليمنة) في جنوبجدة على عشوائيته، فما أن يدلف المرء في أروقته حتى ينسى غياب التنظيم وتحضر الوجوة البسيطة باعة ومتسوقين، في مشهد يكشف مدى ارتباطهم بالموروث الشعبي على الرغم من تطور الحياة الذي نعيشه حاليا. السوق الذي تجاوز عمره نصف قرن ويقع على امتداد شارع الأمير فهد حتى حي السبيل يفتقد للتنظيم، ويروي قصة كفاح أناس اعتاشوا من مهن بسيطة، وينتظرون اللحظة التي يستريحون فيها. وأوضح علي عباس أنه يحضر للسوق من حين لآخر لشراء العديد من الأطعمة الشعبية مثل خبز التنور (الخمير) ورقائق اللحوح والحلبة، لافتا إلى أنه لا يجد هذه الأصناف من الطعام إلا في سوق اليمنة. وقال: «اعتدت على الشراء من باعة هنا منذ أن استقررت في مدينة محافظة جدة، قادما من الجنوب»، ملمحا إلى أنه يقطع مسافة طويلة من شمالي جدة لبلوغ السوق التراثي في جنوبجدة. إلى ذلك، أفاد الشاب سالم سعيد أن والده يطلب منه شراء العديد من الأكلات الشعبية من سوق اليمنة، مبينا أنه يتردد عليها مرات عدة في الأسبوع خصوصا في نهايته. وذكر أنهم لا يستطيع أن يعزف عن السوق على الرغم من العشوائية التي تطغى عليه، ملمحا إلى أن الأجواء الصاخبة فيه تغطي على عيوبه، مطالبا في الوقت ذاته بإعادة هيكلته وتنظيمه وفق المعايير الحديثة. وخلف طاولة خشبية يقف البائع عبده زيد يعرض بعض الفواكه وقليلا من الخضار وأقراص الخميرة، مؤكدا أن الحركة في السوق لا تهدأ أبدا بل تزداد وتيرتها في شهر رمضان المبارك. وأرجع زيد تسمية السوق إلى انتشار أبناء الجالية اليمنية فيه، مشيرا إلى أن الصحافيين والإعلاميين دائما ما يزورون السوق ويلتقطون الصور له، «يبدو أنه بات من معالم جدة» على حد قوله. بينما تقول البائعة المسنة فاطمة إنها تعول أسرا من ثمانية أفراد من خلال بيعها خبز التنور ورقائق اللحوح، مشيرة إلى أنها باتت تصرف على أسرتها بعد أن داهمت الأمراض زوجها منذ بضع سنين. وأضافت: «أنا فخورة بأبنائي وجميعهم ولله الحمد متفوقون في تعليمهم، وآمل أن يكملوا دراستهم ويريحوني من عناء هذه الرصيف قريبا». وفي الجانب الآخر من السوق، تنتشر محال لبيع الفخاريات والأواني المعدة بالطين والخزف، إذ أوضح البائع علي حدادي أنه يجني أرباحا جيدة من عمله في بيع المباخر والمطاحن والأواني الفخارية التي تستخدم في إعداد الإدامات»، لافتا إلى أن لديهم كل ما يستخدم في المطبخ الشعبي الجنوبي، مشيرا إلى أن متجره يحظى بإقبال من المهتمين بالتراث.