لا يختلف اثنان على أن الصادق المهدي إمام طائفة الأنصار وزعيم حزب الأمة القومي مفكر ذو آراء جريئة تتصادم أحيانا مع المألوف والشائع من عادات وتقاليد المجتمع السوداني، لكن لم يكن أحد يتوقع أن يصل الأمر إلى إصدار «الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة» فتوى بتكفيره، داعية إلى استتابته أو تقديمه ل «محاكمة شرعية» في حال عدم إعلان «توبته» وتراجعه عن آرائه حول قضايا خاصة بالمرأة، ما أثار جدلا واسعا تشهده الأوساط السودانية هذه الأيام. وعلى طريقة الطعن في «الفيل وليس ظله» حمل المهدي حكومة الخرطوم مسؤولية سحب «الفتوى التكفيرية» التي صدرت بحقه والاعتذار عن«تلويث» مناخ السودان المتسامح باعتبار أن أعضاء الرابطة التي كفرته «فقهاء سلطان» وموظفي دولة. واعتبر ذلك شرطا لعدم اللجوء للقضاء لمساءلتها عن التعدي على اختصاص القضاء إلى جانب قذف العقائد بوصفه أكبر من قذف الأعراض «على حد قوله». وتمسك المهدي في إحدى خطب الجمعة في مسجد الهجرة الذي يؤم المصلين فيه في حي ودنوباوي بمدينة أم درمان بآرائه المتعلقة بالمرأة بوصفها صحيحة شرعا وعقلا. وانتقد أعضاء الرابطة، قائلا: «إنهم مصرون على توظيف فهمهم القاصر للإسلام لطرد المرأة من رحمة الله على نحو ما تنشده أهواؤهم وإنهم يوفرون ذخيرة لأعداء الإسلام لمهاجمته». لكن «الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة» وصفت في بيان آراءه ب«الكفرية» ودعت لاستتابته أو تقديمه ل «محاكمة شرعية» ترده وتردع أمثاله. وحثت الحكومة على الاضطلاع بواجباتها فى الدفاع عن ثوابت الدين ومنع الأصوات التى تسوق نفسها لأعداء الله «حسب البيان». ورأى رئيس هيئة علماء السودان الدكتور محمد عثمان صالح أن ما ذهب إليه الصادق المهدى لا يجب تعميمه، وأن من خالف إجماع العلماء عليه أن يراجع نفسه حتى لا يذكر فى الدين ما ليس فيه. وتطرق صالح إلى آراء المهدي «المثيرة للجدل» قائلا: (إن محاذاة المرأة للرجل فى الصلاة تتم فى حالة استثنائية فقط فى الحرم المكي. وشهادتها فى عقود الزواج بحضور أولياء الأمر لا مدعاة لها». وفيما يختص بمشاركة المرأة فى تشييع جثامين المتوفين قال: إن الأمر لم يحدث فى تاريخ المسلمين حال كفاية الرجال، مشيرا إلى أن مسألة تشييع الموتى من فروض الكفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين. وطعن آخرون في آراء المهدي المتعلقة بحجاب المرأة. ولم يتوقف الأمر على الجدل الفكري بل امتد إلى خارج قنوات الفكر والحوار حيث أقدم أشخاص يعتقد أنهم من أنصار المهدي بإحراق مخيم جماعة «أنصار السنة المحمدية» في ساحة المولد النبوي في أم درمان، مما زاد من الشحن النفسي العام. ويخشى أن تصل الأمور إلى ما هو أخطر من ذلك مالم يصل الجميع إلى توافق يقطع الطريق أمام الفتنة قبل أن تستفحل وتستحيل معالجتها في دولة تتسم عموما بالتسامح الديني؛ ولم يعرف التطرف طريقه إليها إلا ما ندر. ويعد التكفيريون في السودان أقلية لا تكاد تذكر لانعزالهم عن المجتمع ورفضهم الصلاة مع الجماعة في المساجد معتبرين أن المجتمع بأكمله كافر.