الثقة المفرطة في الأصدقاء، أصدقاء السوء وضعف الوازع الديني، كانت أسبابا كافية لتزج بسعوديين خلف القضبان في سجون الأردن، أحدهم خدعه صديقه، ما جعله نزيلا في سجون الأردن، وآخر تعاطى المخدرات مع أشخاص لا يعرفهم ما دفعه للإدمان، مشيرين إلى أن تجربتهم المريرة في السجن، كفيلة بأن تردعهم، وتعزز مراجعة أنفسهم وتطهيرها من السلوك الجانح إلى طريق الصلاح. فتحت وزارة الداخلية الأردنية أبواب مراكز الإصلاح والتأهيل أمام «عكاظ» كأول صحيفة سعودية تدخل السجون الأردنية، وتقف على أوضاع النزلاء السعوديين، وتتحدث معهم مباشرة دون أي حواجز. وذلل الطريق أمامنا وزير الداخلية الأردني محمد الرعود حينما استقبلنا في مكتبه، وقال «كافة مراكز الإصلاح والتأهيل مفتوحة أمامكم، وقابلوا النزلاء كما تشاؤون، وفي الوقت الذي تريدون، نحن نثق في الصحف السعودية مثل ثقتنا في صحفنا الأردنية بطرحها الرصين». وجاءت هذه الإشادة من رأس الهرم في المؤسسة الأمنية في بلد شقيق، بمثابة الوقود الذي بث فينا الهمة، والرغبة في الإحاطة بكل ما يدور خلف القضبان، والمتصل بالنزلاء السعوديين، وعددهم حتى اليوم 55 نزيلا. في سلسلة هذه الحلقات داخل السجون الأردنية سنحاور النزلاء، نستمع إلى حكاياتهم وتفاصيل القضايا التي قادتهم إلى السجن، كانت البداية في مركزي الجويدة وسواقة؛ الأول مخصص للموقوفين لحين صدور الأحكام القضائية، وغالبا لا يتجاوز إيقاف الواحد منهم أكثر من عام كأقصى مدة، فيما يضم مركز سواقة النزلاء الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية. معظم النزلاء الذين التقيناهم كانوا من الشباب، واعترفوا أنهم كانوا ضحية لتجار المخدرات، أصدقاء السوء ،وقلة الوازع الديني، غير أن قلة منهم أكدوا أنهم كانوا ضحية للثقة المفرطة في بعض الأصدقاء، كما حدث لنزيل دبر له صديقه خديعة كما يقول، فرمى به خلف القضبان. وأكدوا أن تجربتهم المريرة في السجن، كفيلة بأن تردعهم عن معاودة الكرة، وكانت بمثابة الوقفة مع مراجعة النفس، وتطهيرها من السلوك الجانح إلى طريق الصلاح، والعودة مجددا إلى بناء مستقبلهم، مشيرين إلى أن إدارة الإصلاح والتأهيل الأردنية تعاملهم معاملة حسنة. مركز الجويدة في داخل مركز إصلاح وتأهيل الجويدة كيلو مترا عن العاصمة الأردنية عمان، كان في استقبالنا مدير المركز العقيد زياد محمد باكير في مكتبه، بحضور معاونيه، وعدد من منسوبي إدارته، أزالت ابتسامته المتألقة رهبة المكان، وتحدث إلينا دون مواربة عن أوضاع النزلاء السعوديين، وأجاب على أسئلتنا دون تحفظ «ليس لدينا ما نخفيه، واسألوا عن كل ما ترغبون السؤال عنه، وأمامكم النزلاء، وتستطيعون الجلوس معهم مباشرة». وقال ل«عكاظ» العقيد باكير «يوجد في مركز إصلاح وتأهيل الجويدة سبعة نزلاء سعوديين؛ ستة منهم موقوفون في قضايا مخدرات، والسابع موقوف وسيجري إبعاده عن البلاد عن طريق محافظة العاصمة». وأضاف «جرى إيقافهم خلال الفترة من 24/5/2011م إلى 16/1/2012م، وتتنوع قضايا الستة الموقوفين في قضايا مخدرات ما بين تجارة واستيراد وتعاطٍ، وبحكم أن مركز الجويدة هو مركز توقيف وليس للمحكومين، فإن البرامج التي تقدم لهم هي عبارة عن برامج نظرية، لأن الفترة التي يقضيها النزلاء في المركز ليست طويلة». سلوكهم جيد وزاد «سلوك النزلاء السعوديين جيد داخل المركز، ولا نواجه معهم أية مشكلات مطلقا كبقية النزلاء، وقد تأقلموا بشكل جيد»، مشيرا إلى أن السفارة السعودية في عمان لديها زيارات مبرجمة للمركز، ويحضر مندوبون عنها باستمرار في حال طلبهم من قبل النزلاء. وأضاف «هي أفضل سفارة تتعامل مع النزلاء، أن تحذو بقية السفارات حذوها في التعامل مع النزلاء السعوديين، لأن السفارة حينما تتعاون بشكل إيجابي مع النزيل فإننا نحن هنا في المركز نكون مرتاحين جدا مع النزيل». أيام للزيارة وأوضح العقيد باكير أنه تم تخصيص أيام لزيارة أهالي النزلاء خلال ثلاثة أيام في الأسبوع، هي الجمعة، الأحد والثلاثاء، وبقية الأيام للمحامين لمتابعة قضايا النزلاء في المحاكم، وما يلزمهم في الدفاع عنهم، وبعد أن يصدر الحكم يجري نقلهم إلى مراكز تأهيل خاصة بالمحكومين وفيها برامج عملية للتأهيل، وهناك من يتم الإفراج عنه بحكم المحكمة. نزلاء يرفضون الحديث أنهى مدير مركز الجويدة حديثه معنا، وغادرنا مكتبه في طريقنا إلى القاعة المعدة لمحاورة النزلاء السعوديين ال(7)، وما أن وصلنا إليهم، حتى بادرنا أحد النزلاء «هل نحن مجبرون على الحديث معكم؟»، فأجبناه بالنفي، فطلب مغادرة القاعة، فغادر ومعه ثلاثة نزلاء، كانت لحظات اللقاء الأولى مشوبة ببعض التوتر من قبلنا، ومن قبل النزلاء، فكان استهلالنا للقاء بكلمة افتتاحية لعلها تزيل الحاجز النفسي بين الطرفين، خاصة النزلاء الذين بدا على وجوههم الوجوم، حيث إنهم في لقاء مباشر مع الإعلام، وما جاء في كلمة «عكاظ»: نحن حضرنا إلى هنا بهدف الوقوف على أوضاعكم عن كثب، رغبة من الصحيفة في سماع أصواتكم بكل أمانة، ومعرفة مطالبكم دون وسيط، وكيف تتم معاملتكم داخل السجن، كما أننا تواقون إلى معرفة تفاصيل قضاياكم، والدروس المستفادة من تجربتكم المريرة، حتى تكون عبرة للآخرين. حادث مروري يكشف المخدرات وروى ل «عكاظ» أحد النزلاء السعوديين الموقوفين في مركز الجويدة، فضل الرمز لاسمه ب(و.و) تفاصيل قضيته، فقال «جئت إلى الأردن بهدف السياحة، ووقع لي حادث مروري قبل أسبوعين، وباشر الحادث رجال أمن الدولة، وفور وصولهم فتشوا سيارتي تفتيشا دقيقا، وعثروا فيها على حبوب «كبتاجون». وأضاف «بعد العثور على المخدرات تم اصطحابي إلى السجن، وإيقافي في مركز الجويدة، ولم أكن لحظة الحادث متعاطيا، حيث إنني أقلعت عن التعاطي بعد أن استمررت عليه مدة عام، مشيرا إلى أن عددا من الأصحاب كانوا برفقته في سيارته، جرى إطلاق سراحهم، بحكم أن السيارة مسجلة باسمي. بداية التعاطي واعترف أن بداية تعاطيه المخدرات كانت عن طريق داخل السعودية لم تكن على له بهم، وذلك في مناسبة اجتماعية، عن طريق أشخاص لا يعرفهم قدموا له حبة كبتاجون، وكانت هذه البداية. وأضاف «لا أدري لماذا اختاروني أنا بالذات من بين الشباب، ومع الأسف أنني استجبت لهم بشكل سريع، ومن ثم استمررت في التعاطي لمدة عام، ورغم أنني أقلعت إلا أنني تورطت في هذه المخدرات التي عثر عليها في السيارة، ودخلت السجن، والآن أحسست بالخطأ الكبير الذي وقعت فيه». ندم وتوبة وعبر هذا النزيل عن ندمه، داعيا عموم الشباب إلى الحذر من التفكير في طريق المخدرات، وقال «أنصح كل من يسير في هذا الطريق أن يبتعد عنه، ولا يفكر أبدا في أن ينساق خلف بعض الرغبات الشيطانية، أو يغرر به رفقاء السوء، لأن هذا الطريق نهايته معروفة سلفا وهي السجن». بعد أن أنهينا حديثا مع النزلاء السعوديين في مركز الجويدة، ودعنا مدير المركز العقيد زياد باكير بعد التقاط صورة تذكارية معه ومع معاونيه أمام بوابة إدارته، ثم غادرنا في طريقنا إلى مركز إصلاح وتأهيل سواقة في اتجاه الجنوب على مسافة تزيد على 70 كيلومترا من عمان، حيث يقضي هناك 31 نزيلا سعوديا أحكاما بالسجن لمدد مختلفة تصل إلى سبع سنوات ونصف السنة، معظمهم في قضايا المخدرات. مركز المحكومين في سواقة فور وصولنا مركز الإصلاح والتأهيل في سواقة، دلفنا إلى مكتب مدير المركز العقيد أيمن العوايشة، واستقبلنا بحفاوة لا تقل عن حفاوة مدير مركز الجويدة، فقال «أنتم هنا في بلدكم، ونحن سعداء بزيارتكم حتى تطلعوا على الواقع داخل المركز، فهو مفتوح أمامكم، وأهلا بكم». وأوضح ل «عكاظ» العقيد العوايشة أن عدد النزلاء السعوديين في مركز إصلاح وتأهيل سواقة 31 نزيلا، 29 منهم محكومون، واثنان موقوفان، وجميهم في قضايا مخدرات، مشيرا إلى أن أقدم نزيل سعودي جرى توقيفه في 7/6/2006م. وبين أنه سيتم خلال العام الجاري الإفراج عن 13 نزيلا سعوديا بعد انتهاء محكوميتهم، مؤكدا أن 75 في المائة من النزلاء السعوديين وغيرهم في مركز سواقة تم صدور الحكم في قضاياهم.