كان الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت لا يمد رجليه في زمنه إلا نادرا، لقلة المتعالمين ولكثرة العلماء ولأنه رجل علم وفضل، فقد كان يوقر جلساءه من العلماء ومن طلبة العلم الذين يجالسونه للاستفادة من علمه الغزير ومن نهجه المنير ومن مذهبه البصير، وكان من علائم توقيره لجلسائه أنه على الرغم من تقدمه في العمر يأبى أن يريح قدميه بمدهما في حضرة أولئك الجلساء، لكنه فعلها ذات مرة عندما أخذ جاهل يجادله جدالا لا فائدة منه سوى إضاعة الوقت والتعالم والادعاء بلا حياء، فقال يوما قولته المشهورة: «آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه» فذهبت مثلا يضربه الناس عندما يبتلون بمتعالم يدعي في العلم معرفة فيدخل معهم في جدال عقيم في أمر من الأمور التي يجهلها جملة وتفصيلا! ولكن زمن أبي حنيفة الذي مضى وانقضى كان بلا شك أفضل حالا من زمننا هذا الذي أصبح فيه أدعياء العلم أكثر من الهم على القلب، ولو أراد إنسان ما تطبيق نظرية أبي حنيفة في مد رجليه كلما ابتلي بجاهل متعالم لما استطاع ذلك الإنسان طي رجليه أبدا؛ لأنها ستظل ممدودة ليل نهار بسبب من يقابلهم من الأدعياء المتعالمين الذين تمتلئ بهم المجالس والأندية والردهات والصالات، وقلما يجد الإنسان المعاصر من يحترمون أنفسهم فلا يتكلمون إلا في الأمور التي يعرفونها ويحسنونها، بل أصبح هم الأكثرية المشاركة والخوض في جميع ما يطرح من قضايا؛ من السباكة، حتى السلاح النووي مرورا بالعلوم والصحة والطب والسياسة والأدب والفقه والفلسفة والملوخية!، وضاعت نظرية: «نصف العلم.. لا أعلم»، وظن كثير من الناس أن في الالتزام بهذه النظرية ما ينقص من قدرهم، فلا بد لهم في هذه الحالة ادعاء المعرفة في كل شيء؛ سواء سئلوا أم لم يسألوا عنه، ولو جئتهم بخبراء من الأممالمتحدة أو الوكالات الدولية العاملين في مجالات تحتاج إلى التخصصات الدقيقة، بهدف الاستفادة من أولئك الخبراء فلن تعدم وجود من يقاطعهم ويسكتهم لينبري هو للحديث المسهب عن ذلك الأمر، وبذلك تضيع الجلسة كلها وتنعدم الفائدة المرجوة منها، وما دام الأمر كذلك فلتظل الأرجل ممدودة آخذة راحتها على الدوام ولا بأس من هزها بقوة في وجوه كتائب المتعالمين!! للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 162 مسافة ثم الرسالة