مسؤولون: الخطاب ترجمة لاهتمام القيادة بتعزيز الأمن والاستقرار    وزير الداخلية لنظيره القطري: القيادة وجهت بتسخير الإمكانات لدعمكم    المملكة تعزي قطر في وفاة أحد منسوبي قوة الأمن الداخلي جراء الاعتداء الإسرائيلي الآثم    أرامكو تصدر صكوكاً دولارية دولية    إسهاماً في تعزيز مسيرة القطاع في السعودية.. برنامج لتأهيل «خبراء المستقبل» في الأمن السيبراني    «الفطرية»: برنامج لمراقبة الشعاب المرجانية    وزير الدفاع لرئيس وزراء قطر: نقف معكم وندين الهجوم الإجرامي السافر    200 شخص اعتقلوا في أول يوم لحكومة لوكورنو.. احتجاجات واسعة في فرنسا    السعودية ترحب وتدعم انتهاج الحلول الدبلوماسية.. اتفاق بين إيران والوكالة الذرية على استئناف التعاون    الأخضر بطلاً لكأس الخليج تحت 20 عاماً    إثارة دوري روشن تعود بانطلاق الجولة الثانية.. الاتحاد والهلال يواجهان الفتح والقادسية    هوساوي: أعتز برحلتي الجديدة مع الأهلي    أكد أن النجاحات تحققت بفضل التعاون والتكامل.. نائب أمير مكة يطلع على خطط طوارئ الحج    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل رئيس فريق تقييم أداء الجهات الحكومية المشاركة في تنفيذ الخطة العامة للطوارئ    منافسة نسائية في دراما رمضان 2026    معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025.. موروث ثقافي يعزز الأثر الاجتماعي والحراك الاقتصادي    سكان غزة.. يرفضون أوامر الإخلاء ومحاولات التهجير    العراق: الإفراج عن باحثة مختطفة منذ 2023    «الرياض» ترصد أبرز التجارب العالمية في سوق الرهن العقاري وتأثيره على الإسكان    حساب المواطن ثلاثة مليارات ريال لمستفيدي شهر سبتمبر    الفضلي يستعرض مشروعات المياه    فيلانويفا يدافع عن قميص الفيحاء    باتشيكو حارساً للفتح    غوميز: مهمتنا صعبة أمام الاتحاد    مُحافظ الطائف: الخطاب الملكي تجسيد رؤية القيادة لمستقبل المملكة    اليوم الوطني.. نبراس للتنمية والأمان    هيئة الشرقية تنظّم "سبل الوقاية من الابتزاز"    الكشافة السعودية تشارك في الجامبوري العالمي    مبادرات جمعية الصم تخدم ثلاثة آلاف مستفيد    خطاب يصوغ المستقبل    واشنطن تستعد لتحرّك حازم ضد موسكو    "التعليم" توقع اتفاقية "الروبوت والرياضات اللاسلكية"    «آسان» و«الدارة» يدعمان استدامة التراث السعودي    «سلطان الخيرية» تعزز تعليم العربية في آسيا الوسطى    «الحج والعمرة» تُطلق تحدي «إعاشة ثون»    التأييد الحقيقي    "الشيخوخة الصحية" يلفت أنظار زوار فعالية العلاج الطبيعي بسيهات    إنقاذ حياة مواطنَيْن من تمزّق الحاجز البطيني    2.47 تريليون ريال عقود التمويل الإسلامي    59% يفضلون تحويل الأموال عبر التطبيقات الرقمية    الهجوم الإسرائيلي في قطر يفضح تقاعس واشنطن ويغضب الخليج    هل توقف العقوبات انتهاكات الاحتلال في غزة    المكملات بين الاستخدام الواعي والانزلاق الخفي    مُحافظ الطائف: الخطاب الملكي تجسيد رؤية القيادة لمستقبل المملكة    الأمير فهد بن جلوي توَّج الملاك الفائزين في تاسع أيام المهرجان    السبع العجاف والسبع السمان: قانون التحول في مسيرة الحياة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " ثمرة تماسك المجتمع تنمية الوطن وازدهاره"    تعليم الطائف يعلن بدء استقبال طلبات إعادة شهادة الثانوية لعام 1447    نائب أمير منطقة تبوك يستعرض منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    ختام بطولات الموسم الثالث من الدوري السعودي للرياضات القتالية الإلكترونية    البرامج الجامعية القصيرة تمهد لجيل من الكفاءات الصحية الشابة    أمير المدينة يلتقي العلماء والمشاركين في حلقة نقاش "المزارع الوقفية"    أحلام تبدأ بروفاتها المكثفة استعدادًا لحفلها في موسم جدة    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال الشورى في الدور التشريغي 9 اليوم    "التخصصي" يفتتح جناح الأعصاب الذكي    إنتاج أول فيلم رسوم بالذكاء الاصطناعي    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: سلطات الاحتلال تمارس انتهاكات جسيمة ويجب محاسبتها    أهمية إدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية قبل الزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاختلاط مصطلح جديد والأدلة الشرعية ترد بقوة على من يحرمه
هيئة الأمر بالمعروف تثمن جامعة الملك عبد الله وتتصدى لدعاوى الاختلاط
نشر في عكاظ يوم 09 - 12 - 2009

في إضافة مهمة لما أوضحه العديد من أعضاء هيئة كبار العلماء، والعديد من القضاة، وجمع من الأكاديميين الشرعيين في جامعات المملكة من بينهم أعضاء في مجلس الشورى من التنويه بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وتثمين دورها الريادي المهم، ومناقشة ما يسمى بنظرية «الاختلاط» التي شكل طرحها الأخير حراكا قويا أثرى الساحة العلمية والاجتماعية بالنقاش الجاد، وأعاد النظر في الرأي السائد لدى قلة من الفقهاء المعاصرين، مثلما حصل في الموقف من تعليم المرأة في السابق، والتأمين، وبطاقة المرأة، والموقف المتشدد من القوانين خاصة أنظمة القضاء التي أوقف بعضها في وقت سابق، ثم أعيد النظر فيها، إلى أن صدرت قبل سنوات وتحديدا نظام المرافعات الشرعية، ما يدعو إلى طرح قضايانا التي يتضح في ما بعد أنها تأخذ الطابع الاجتماعي أكثر من الطابع الديني، وفق منظومة حوارية واسعة يجب أن يأخذ بزمام مبادرتها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، حيث يدعو لها العلماء، وطلبة العلم، والمختصون بالدراسات الاجتماعية والمفكرون وأهل الرأي، مهما تباينت وجهات نظرهم؛ ليحقق المركز الطموح الغاية المرجوة منه على أكمل وجه.
لقد أصبح هذا الزمن زمن التحولات أكثر عطاء، وقدم من التقنية ما جعلنا أمام نقلات عصرية مدهشة، وفي سياق هذا الطرح يتضح أن الاختلاط على سبيل المثال يمارس بشكل يومي خلال الإنترنت عبر المحادثات الحية عالية النقاء والدقة بأبعاد ثلاثية صوتا وصورة حتى أصبحت بعض الدراسات الأكاديمية والاجتماعات تتم عبر أجهزة متطورة، لا تختلف عن اللقاءات الحقيقية، بواسطة تقنيات لن ينفع معها تحفظ ولا توجس وممانعة، ولن يبقى سوى الوازع الداخلي الذي حكم المجتمعات الإسلامية المختلطة، وفي مقدمتها المجتمع النبوي الطاهر الذي قطعت الأدلة الشرعية أن الاختلاط كان يمارس فيه بشكل واضح.
على خلفية تلك الإضافات المنوه عنها، كشفت هيئة الأمر بالمعروف عن رأيها الواثق، مدعوما بالمادة العلمية والطرح الموضوعي، على لسان أحد كبار قيادييها الشيخ الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة.
إلى حديث الشيخ الدكتور أحمد الغامدي:
إن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تمثل نقلة جبارة وإنجازا كبيرا يضاف بكل تقدير لسجل المملكة العربية السعودية ولتاريخ الأمة الإسلامية، إذ خطت خطوة عملاقة لما استشرفت له الأمة من استعادة دورها الحضاري ومجدها العلمي.
إننا لا نبالغ إن قلنا بأن النظريات العلمية المؤثرة في حياة الأمم نسيت دور العالم الإسلامي في الإبداع والحضور منذ مئات السنين، حتى بقي العالم الإسلامي عالة على غيره، منطويا على نفسه، بعد أن نخرت جسده الفرقة والخلافات الطائفية والمذهبية والعرقية، فضلا عن المصالح الذاتية، حتى جعل بعضهم دين الله مرتعا للتنازع، والتناحر، والتدابر، وكثرة القيل والقال، في سياق من الانكفاء على النفس والتعصب للآراء دون برهان، حتى خرج مد الخلافات عن حدها المعقول إلى نماذج مؤسفة.
الريادة في الحدث والانطلاقة
لقد استوقفت المتابعين لحدث انطلاقة هذه الجامعة المباركة مشاعر المسلمين النبيلة وآمالهم الجليلة وتطلعاتهم الكبيرة، التي أفصحوا عنها عبر وسائل الإعلام والاتصال، ولا يستغرب حجم تلك التطلعات والآمال الكبيرة؛ فالجامعة تمثل امتدادا طبيعيا لحضارتنا الإسلامية التي هيمنت ردحا من الزمن في كل العلوم المادية والنظرية؛ فمكنها الله بفضل ذلك ثم بعزائم علماء الأمة المبدعين الصادقين ورجالها المصلحين وجعل لها الريادة، فارتفعت رايتها عالية، وانبرى لمهماتها علماء مسلمون ملأوا الزمان والمكان، والسمع والبصر، فاحتلوا في تاريخ الأمم مكانا لازال يتجدد ذكرهم بتجدد تلك النظريات المادية الحديثة، ولقد أخذت جامعة الملك عبدالله بأعظم أسباب القوة التي أمرنا الله بالإعداد لها فكيف أصبح الواجب والفضل مأخذا.
هنا نقف مع من ضاق بهم الأفق فأخرجوا من إرثنا الإسلامي هذه العلوم المادية فنقول: إن ذلك إرث أسسه علماء هذه الأمة آخذين بسنن الله الكونية التي جعلها الله تعالى موصلة لأسرار حكمته في الكون وسلما لعمارة الأرض وخدمة البشرية والدين، مستجيبين في ذلك لحث الله على العلم كله بقوله: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، وبقوله سبحانه (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب).
خلط واصطلاح متأخر
بهذه المناسبة سأتطرق في حديثي هنا عن «الاختلاط» الذي صار فيه الكثير من الخلط في اعتباره من المصطلحات الفقهية المعهودة في بحوث الفقهاء. والحق أن مصطلح الاختلاط بهذا الاصطلاح المتأخر لم يعرف عند المتقدمين من أهل العلم؛ لأنه لم يكن موضوع مسألة لحكم شرعي كغيره من مسائل الفقه، بل كان الاختلاط أمرا طبيعيا في حياة الأمة ومجتمعاتها.
إن استعمال الفقهاء لعبارة الاختلاط لا يعدو استخدامهم لمفردات المعجم العربي مثل: أخذ، وأعطى، ولذلك لو بحثت عن مصطلح الاختلاط بهذا المعنى المستحدث لم تجده عندهم، كمصطلح: «الخلوة، والنكاح، والطلاق، والرجعة» كما عليه بقية مصطلحات أهل العلم مثل: البيع، والربا، والسلم، والعرايا، وغيرها، وكالمصطلحات المعاصرة التي يمكن قبولها وإدخالها في المعجم الفقهي ضمن نوازله مثل: «التأمين، المرابحة، السندات، بدل الخلو، الحق المعنوي إلخ...»، لكن بعض المتأخرين لما بالغ في موضوع اختلاط النساء بالرجال وصار اللفظ المعاصر ينصرف إليه بإطلاق، تولد ذلك المصطلح الدخيل المتأخر، فغالط به من لم يميز أو من أراد التلبيس، ومثل ذلك لو بالغ الناس في التحذير من جلوس النساء والرجال ولو كان لمصلحة أو عادة، ولا خلوة ولا ريبة فيه، فتولد من كثرة دوران ذلك اللفظ تحذيرا وزجرا مصطلح: «القعود»، كما تولد مصطلح: «الاختلاط» مثلا بمثل، ولهذا خطورته متى ألصق بعلوم الشريعة، وفيه مد سلبي على تراثنا الفقهي متى أعطي مزية المصطلحات، فإن ذلك يعني إعطاءه هوية غير معهودة عند أهل العلم والفقه، قد يلتبس بذلك الحق بتقادم الزمان عليه كما حصل الآن في مصطلح الاختلاط.
وقد يتعاطى معه البعض مندفعا من خلال التفاعل معه بعجلة مسلما به كأنه أحد المصطلحات المعهودة دون تمييز.
ولاشك أن تمييز ذلك يتطلب دقة وفحصا، وسنجد عناء في إيضاح ذلك اللبس حينذاك كما هو حاصل الآن في إيضاح أن الاختلاط بهذا المعنى المعاصر دخيل على المصطلحات الفقهية المعهودة عن الفقهاء.
لذلك لما ذكرت بعض الموسوعات الفقهية المعاصرة الاختلاط في قاموس ألفاظها، لم تستطع أن تشير إلى أن من معانيه اختلاط النساء بالرجال، بل ذهبت إلى معان أخرى: في الزكاة، والحيوان، والسوائل، وألمحت إلى معناه في مصطلح الحديث.
نظرة وسطية
لقد أجاد الأستاذ الدكتور جاسم المشاري رئيس لجنة الفتوى بمنتدى السلفية في أوروبا، في لقائه الحافل الذي نشر في جريدة الجزيرة يوم السبت 19 ذو القعدة 1430ه، العدد (13554) وكان تعليقه علميا حقا ومؤصلا ندر في شموله مثله لمن تناول الموضوع بنظرة وسطية بارعة وعبارة مختصرة قارعه.
وعلى أي حال فليس في الكلام على موضوع طروء مصطلح الاختلاط إلا وضع الأمور في نصابها من أن الاختلاط بهذا المعنى المعاصر مصطلح طارئ غير معروف بذلك المعنى عند المتقدمين في مباحث الفقه، أما ما يتعلق بجواز الاختلاط من عدمه فمرده إلى الأدلة الشرعية، وهذا ما يعنينا على وجه التحديد هنا بصورة أكبر.
ولذلك كان الخلط في حكمه أكثر جناية حين قال بتحريمه قلة لم يعتبروا بالبراءة الأصلية في إباحته، ولم يتأملوا أدلة جوازه، ولم يقتفوا هدي المجتمع النبوي فيه، وهو قدوتنا في امتثال التشريع في كل شؤون الحياة المختلفة، والحق أنه لم يكن الاختلاط من منهيات التشريع مطلقا بل كان واقعا في حياة الصحابة.
ولقد استمر ذلك الحال على مر العصور حتى طرأ على ذلك الأصل ما غيره من العادات والتقاليد، وبقي منه ما لا يمكن أن تمحوه تلك العادات والتقاليد، فظل كما هو؛ لأنه ارتبط بما شرع الله امتثاله من الطاعات على النساء والرجال كالطواف والسعي والصلاة فهم يؤدونها في مكان واحد، مع أنه قد يقع ممن تسول له نفسه ما يسيء بفعل أو قول محرم، إلا أنه لم يقل أحد من علماء المسلمين بمنع الاختلاط في تلك الأماكن لأجل ما قد يقع ممن تسول له نفسه الإقدام على محرم قل أو كثر.
حتى المانعون للاختلاط
وهكذا الحال في كثير من شؤون حياتنا اليومية، وفي واقع بيوت الكثير من المسلمين ومنهم المانعون للاختلاط تجدها مليئة بالخدم من النساء يقدمن الخدمة فيها وهي مليئة بالرجال الأجانب عنهن، وفي مظهر قد يكون من أشد مظاهر الاختلاط في حياتنا اليومية لا يمكن إنكاره.
إن من يحرمون الاختلاط يعيشون فيه واقعا، وهذا من التناقض المذموم شرعا، ويجب على كل مسلم منصف عاقل لزوم أحكام الشرع دون زيادة أو نقص، فلا يجعل من حماسته وغيرته مبررا للتعقب على أحكام الشرع، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على سعد بن عبادة رضي الله عنه حين قال: «والله لأضربنه بالسيف غير مصفح»، في شأن من وجد مع امرأته رجلا آخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى أصحابه تعجبوا من غيرة سعد: «أتعجبون من غيرة سعد، والله إني لأغير من سعد، والله أغير منا، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن»، قال الحافظ ابن عبد البر: «يريد والله أعلم أن الغيرة لا تبيح للغيور ما حرم عليه وأنه يلزمه مع غيرته الانقياد لحكم الله ورسوله وأن لا يتعدى حدوده فالله ورسوله أغير». فكيف يزايد البعض على المشرع الحكيم، وقد زعم أنه آمن بالله مسلما بحكمه.
لقد ارتفع ضجيج المانعين، وعلت أصواتهم في قضية «الاختلاط» مع أن الحجة مع من أجازه بأدلة صريحة صحيحة، فضلا عن استصحاب البراءة الأصلية، وليس مع المانعين دليل إلا ضعيف الإسناد، أو صحيح دلالته عليهم لا لهم.
بالأدلة والنصوص
ونشير هنا إلى أهمية سياق الأدلة الصحيحة الصريحة، وسياق ما احتج به المانعون؛ ليبصر الحق كل منصف دون تعسف أو شطط.
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرجت سودة لحاجتها ليلا بعدما ضرب عليهن الحجاب، قالت: وكانت امرأة تفرع النساء، جسيمة، فوافقها عمر فأبصرها، فناداها: يا سودة إنك والله ما تخفين علينا، إذا خرجت فانظري كيف تخرجين، أو كيف تصنعين؟ فانكفت، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه ليتعشى، فأخبرته بما قال لها عمر، وإن في يده لعرقا، فأوحى الله إليه، ثم رفع عنه، وإن العرق لفي يده، فقال: (لقد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن).
قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وفيه الإذن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لحاجتهن وغيرهن في ذلك من باب أولى.
وعن سهل بن سعد قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك.
قلت: أخرجه البخاري، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه «باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس» قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه.
قلت: ومن لوازم ذلك نظر المرأة للرجال ومخالطتهم.
وعن سهل بن سعد قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا، فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها، فتكون أصول السلق عرقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه، وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك.
قلت: أخرجه البخاري، وفيه ما في الحديث السابق، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه «باب تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال»، يعني به جواز ذلك، وفيه جواز مخالطة الرجال والنظر إليهم؛ فإنها كانت تقرب الطعام إليهم، وتخدمهم في دارها، كما يفيده الحديث.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة، وعجب من فعالكما، فأنزل الله {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط، ووقوعه بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم كافٍ في جوازه.
وعن عائشة أنها قالت: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟، ومعنى «كيف تجدك» أي كيف تجد نفسك، كما نقول نحن: كيف صحتك؟
قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد».
قلت: أخرجه البخاري، وبوب عليه بقوله «باب عيادة النساء للرجال» قال: وعادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار.
قلت: وهذا واضح أيضا في وقوع الاختلاط في عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعظم الناس تقوى وفهما لأحكام التشريع.
وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش... الحديث».
قلت: أخرجه البخاري.
وعن الربيع بنت معوذ أنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في الغد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين).
قلت: أخرجه البخاري، والجويريات تصغير جارية، وهي الفتية من النساء، والحديث يفيد جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة متى كان معها غيرها من النساء، وفيه جواز استماع الرجل لغناء النساء وضربهن بالدف.
وعن فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انتقلي إلى أم شريك، وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان فقلت: سأفعل، فقال: «لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبدالله بن عمرو بن أم مكتوم... الحديث».
قلت: أخرجه مسلم، وفيه أن أم شريك ينزل عليها الضيفان ومن لوازم ذلك الاختلاط.
وعن سالم بن سريج أبي النعمان قال: سمعت أم صبية الجهنية تقول: ربما اختلفت يدي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد.
قلت: أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناده صحيح، وأم صبية الجهنية ليست من محارمه صلى الله عليه وسلم، ففيه جواز الاختلاط، وجواز وضوء الرجال مع غير محارمهم من النساء، ولا يلزم منه رؤية ما لا يجوز من المرأة.
ويشهد لذلك ما رواه ابن عمر قال: (كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا).
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط عموما، وأنه ليس من خصوصياته عليه السلام.
وفي رواية بلفظ: (أنه أي ابن عمر أبصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم، الرجال والنساء من إناء واحد، كلهم يتطهر منه).
قلت: أخرجها ابن خزيمة، وإسنادها صحيح.
وفي رواية بلفظ: (كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد، ندلي فيه أيدينا).
قلت: أخرجها أبو داود، وإسنادها صحيح، والمعنى في هذه الألفاظ واحد، وكلها تفيد جواز الاختلاط عموما، وقد وجهه البعض بأن القصد هو وضوء الرجل وزوجه فقط، وهو توجيه باطل، يرده منطوق تلك الروايات التي تقطع بجواز الاختلاط عموما.
وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة.
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز خروج المرأة في الغزو لخدمة القوم ومداواتهم، ورد الجرحى والقتلى.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنها ماتت، قال: «فهلا آذنتموني»، فأتى قبرها، فصلى عليها.
قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وفيه مشروعية عمل المرأة في المسجد ونحوه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها فقال: (والله إنكن لأحب الناس إلي).
قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وقوله: (لأحب الناس إلي) يعني بذلك الأنصار، وقد بوب عليه البخاري رحمه الله بقوله: «باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس»، قال الحافظ ابن حجر: أي لا يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت به، كالشيء الذي تستحي المرأة من ذكره بين الناس. وأخذ المصنف قوله في الترجمة «عند الناس» من قوله في بعض طرق الحديث «فخلا بها في بعض الطرق أو في بعض السكك» وهي الطرق المسلوكة التي لا تنفك عن مرور الناس غالبا.
وفيه جواز الاختلاط، وجواز الخلوة بالمرأة عند الناس، وكل خلوة تنتفي فيها التهمة لا يتحقق فيها النهي على الصحيح، وإنما المحرم منها ما تحققت فيه التهمة فقط.
وعن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي... الحديث».
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة إذا كان زوجها معها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.