السعودية تحصد لقبها الثاني في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    ارتفاع الأسهم الأمريكية في ختام التعاملات    النصر يعلن تعاقده مع المدافع مارتينيز لموسم واحد    السفير الصيني: 52 شركة صينية تشارك في معرض الصقور    جامعة الباحة تعلن استحداث القبول للدراسات العليا    موجز    مرحلة جديدة من الإبادة الجماعية.. إدانات دولية واسعة لقرار إسرائيل    الطريق إلى شرق أوسط مزدهر    الاحتلال يمضي في خططه للسيطرة على غزة.. السعودية تدين وترفض إمعان إسرائيل في الجرائم ضد الفلسطينيين    إيران تضبط 20 مشتبهاً بالتجسس لصالح الموساد    القيادة تعزّي رئيس غانا في وفاة وزير الدفاع ووزير البيئة ومسؤولين إثر حادث تحطم مروحية عسكرية    33.6 مليار ريال قيمة مشاريع المملكة في يوليو    أخضر ناشئي اليد يتأهل لثمن نهائي بطولة العالم    بعد ضم مدافع برشلونة.. النصر يسعى لحسم صفقة كومان    يوتيوبر مغربي يحصل على حقوق نقل دوري روشن    نجاح استمطار السحب لأول مرة في الرياض    آل طارش والعبدلي يزفون سامي    الشمراني عريساً    «المنافذ الجمركية»: تسجيل 1626 حالة ضبط خلال أسبوع    دعم إعادة التمويل العقاري    عزنا بطبعنا    العصرانية وحركة العصر الجديد    «التواصل» السلاح السري للأندية    فدوى عابد تنتهي من «برشامة» وتدخل «السلم والتعبان»    مدل بيست تختتم حفلات الصيف في جدة والرياض    ممرضة مزيفة تعالج 4000 مريض دون ترخيص    هيئة الصحة تستهدف وقايتهم من مخاطر السقوط.. 4 منشآت صديقة لكبار السن مع خطة للتوسع    «موانئ» تحقق ارتفاعًا بنسبة 12.01% في مُناولة الحاويات خلال يوليو 2025    أسعار النفط تحت وطأة شائعات السلام وحرب التعريفات    الغاز الطبيعي يشهد تحولات عالمية    المملكة تعزّي لبنان في وفاة وإصابة عددٍ من أفراد الجيش    الفرنسي"إينزو ميلوت"أهلاوياً ل 3 مواسم    ألتمان وماسك يشعلان سباق الذكاء الاصطناعي    الخليج يدعم صفوفه بالعمري    القبض على يمني وإثيوبي في جازان لترويجهما (9) كجم "حشيش"    مساعدات المملكة.. نبعٌ لا ينضب    خطيب المسجد الحرام: تعاونوا على مرضاة الله فهي غاية السعادة    إمام المسجد النبوي: الأمن من الخوف سكينة تغمر الحياة    فيصل بن فرحان يتحرك دبلوماسياً لوقف الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني    ستة قتلى من الجيش اللبناني جرّاء انفجار ذخائر من مخلفات إسرائيلية    قرص يومي لإنقاص الوزن    إكرام الضيف خلق أصيل    تحت رعاية الملك.. انطلاق التصفيات النهائية لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن    النفط الجديد من أجسادنا    المملكة تعزي لبنان إثر وفاة وإصابة عدد من عناصر الجيش    تهنئة سنغافورة بذكرى اليوم الوطني    سفير اليابان يزور المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025    تحذيير من استمرار الأمطار الرعدية على مناطق عدة    محافظ خميس مشيط يتفقد مركز الرعايه الصحية بالصناعية القديمة    فريق النجوم التطوعي ينفذ مبادرة صناعة الصابون لنزيلات دار رعاية الفتيات بجازان    المملكة ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدمام.. العزاز «1979 1980م»
نشر في عكاظ يوم 17 - 12 - 2023

الدخول إلى شخصية الأستاذ صالح العزاز - رحمه الله -، مثيرٌ لي ولغيري؛ لأن العزاز سبَق وقته، وسبَق عصرَه، في كل تطوُّرٍ وتقدُّمٍ نحو منظورٍ فِكريٍّ، وآخر إعلاميّ فاخر، وقتها في عام 1979م، على مقاعد الثانوية العامة، تعرَّفتُ على الأستاذ صالح، كمراسلٍ صغيرٍ قادمٍ من مدينة معامل النفط التي لا تبعُد عن الدمام كثيراً.
كانت الدمام صغيرة، بل صغيرةً جدًّا، وكانت طموحات العزاز كبيرة، في كل شيء، في الفكر، في الصحافة، وفي كلِّ تيَّارات التحرُّر العربي، لقد كان قائدًا في عمرٍ مبكِّر.
في مقر صحيفة (اليوم) الذي ينطلق بقربه القطار، عمِل صالح نحو يومٍ جديدٍ من صحيفة (اليوم)، كان الأستاذ عثمان العمير قد غادرها لتوّه وعُيِّن صالح مشرفًا للتحرير، دفع العزاز بالعمل التحريري الميداني مَداه، وكوَّن الفريق بعد الآخر، وكان أهم فريقٍ هو الفريق الذي يضم اسمه، ويقدِّم «قضية الأسبوع» على صفحتَين، بصياغةٍ محترفة ومتمرِّدة، لكنها لم تمَسّ الخطوط الحمراء، وهذه قمة المهنيَّة وقمة الاحترافيَّة.
نافذة مكتبه الذي تشرق شمس الدمام عليه
وفي مكتبه بصحيفة (اليوم) التي يُشرِف عليها، هدوءٌ غيرُ عاديّ، صالح هادئ بطبعه، لكنَّ عقله كان يشتغل بمعارك كثيرة، في هذا المكتب الذي تُشرق من نافذته مبكرًا شمس الدمام، صاغ العزاز تجربةً في كل اتجاه، وحدَّد بوصلةً وعلاقةً مع كل التيارات السائدة وقتها، كانت الدمام مسرح عملياته، عشِق البحر والبَرّ ونجد، وقدَّم منها أروع القصص التي تهمُّ المجتمع، وأدمن العزيزية، وحين رحل إلى الرياض لم يكن ينسى هذا الحنين فيعود وحده، وأحيانًا مع أطفاله؛ ليطلعهم على سحر نصف القمر.
مشروعه نحو صحيفة يومية
في مكتبه، مذياعٌ وكاسيت كبير، كان صالح مستمعًا جيدًا للموسيقى الغربية الهادئة، هذا المكتب أتاح إنتاج ورش العمل والأفكار، في التحقيق، وفي الصحافة الأدبية، وفي الحوار، لقد كانت مدرسة صحفية خاصة، دفع العزاز بها عددًا من الأقلام العربية والمحلية، ودفع بجيلٍ جديدٍ من الصحفيين نحو التعلُّم من هذه المدرسة، وكنت واحدًا منهم.
ومن هنا بدأت رحلة العلاقة والوعي والصحافة المبكّرة من عُمري، وعُمر زميلَيَّ عبدالرؤوف الغزال، ومطلق العنزي، اللذَين تقاسما معه في مرحلة «شقة وسط الدمام».
كانت (اليوم) بإمكانيات متواضعة، في كلِّ شيء، وكان هناك امتيازٌ لوكالةٍ إعلانية، وكان صالح يبني طموحات مشروع، لم يستسلم لكلِّ هذه الاعتبارات، عمل في نهاية عِقد هذا الامتياز على مشروعه نحو صحيفةٍ يوميةٍ مدهشةٍ في طرحها، وفي إخراجها، تصدر يوميًّا عن فنان وصحفي بارع ومحترف.
وركَّز في منهجه الصحفي على التحقيق والحوار والمقال، واهتمَّ بالصورة، وبالقسم الصغير (قسم التصوير)، بصورٍ يومية على الصفحة الأخيرة تنقل الواقع الاجتماعي والمعيشي لحاضرة الدمام بعدسة الأبيض والأسود وبعدسة الآخرين، فيما أعطى اهتمامًا خاصًّا لصفحة (اليوم والناس).
صديق للصباح وعاشق للشمس
كان صديقًا للصباح وعاشقًا للشمس، يبدأ يومه مبكرًا بإنهاء المعاملات الإدارية، في مبنى الدار غرب الدمام، ثم يعود لمكتبه قبل حضور المحررين العرب والسعوديين، وكانت الصحيفة التي تصدر من الدمام تستقطب العديد من الكُتَّاب والمفكّرين العرب من مختلف التيارات، وبطبيعة الحال، وكون الشرقية متنوِّعة وغنية فكريًّا، أضاف العزاز هذا البُعد وأبرزه بشكلٍ لافت، من كُتَّاب محليِّين وفلسطينيين ولبنانيين.
أقام علاقاتٍ متوازنةً مع جميع الأسماء ذات الحضور في المشهد الثقافي والرسمي، المحلي والعربي، وسط انتماءاتٍ مختلفة، ووسط التيارات الفكرية المتنوعة وقتها، في المنطقة وخارجها، وفي الصحيفة صنع مدرسة صحفية مختلفة، تأثرت بها بعض المطبوعات المحلية، وحاولت تقليدها.
أعطى للصفحات الثقافية بُعدًا آخر للشعر، للنقاد، للأسماء التي كانت تبحث عن مساحة، وللمرأة أيضًا.
وكانت (اليوم) مدهشة في الخبر المحليّ والتحقيقات والحوارات، ويُعتبر صالح العزاز أول مؤسِّسٍ للمكاتب التحريرية الإقليمية في الأحساء والرياض وجدة والمنامة لصحيفة (اليوم)، دفعني للعمل في مكتب (اليوم) بالرياض، أثناء الدراسة في الجامعة، ضمن فريقٍ صحفي، وعبر الهاتف تصل تعليمات يومية للتغطيات والأحداث.
غياب ورحيل للرياض
غاب العزاز نحو عامٍ عن المشهد، ورحلتُ أنا للدراسة في الخارج، وحين عاد وجد نفس الوجوه التي تركها في (اليوم) والدمام، وفي كل محطاتي بمكاتب «عكاظ» و«الاقتصادية»، كنتُ أتفاجأ بدخول صالح أثناء زيارته للشرقية إلى مكتبي، يطلب القهوة، ويقوم ببعض اتصالاته، كان لتوِّه قد تفرَّغ للعمل التجاري في الإنتاج، ففي التصوير دمج العزاز شخصيةً في اللقطة الفوتوغرافية، قال لي الشيخ فيصل الشهيل، وكان وقتها رئيس المؤسسة العامة لخطوط السكك الحديدية (صوَّر صالح القطار، ومنشآت المؤسسة، لقد أظهرها بعدسته بحالٍ أفضل مما هو في الواقع)، كما سجَّل مراحل إنشاء الجبيل الصناعية بعدسته.
استمر في الكتابة المتقطعة، وكان مقاله انفرادًا في الفكرة والأسلوب، ورشاقة الكلمات، كتب مقالًا بعنوان (الهاتف.. الأموال)، وأثار ضجة غير عادية، وحين علَّقت عليه أثناء زيارةٍ أخرى له في الدمام قال لي: «لم أتوقع أن يُثير المقال كل هذه الردود».
الراكضون للخلف والعاصمة
وحين رحل للرياض، وأعاد اكتشافها بطريقته الخاصة، في اليمامة لوقتٍ قصير، وفي مكتبه بالرياض، ولندن، وصور أخرى مدهشة على أغلفة مجلات ودوريات الشركة السعودية للأبحاث، «الرجل» تحديدًا، وفي كلِّ محطةٍ يكتسب أصدقاء جددًا، لا أزعم عدم وجود خصوم له، خاصة في المساجلات الفكرية وقتها، والتي تهتم بالشأن السياسي الخليجي والعربي، لكن تلك الخصومة لا تطول لديه، لقد كان شخصيةً دون خصومة، وأصدقاء كُثر حول العالم من النخب.
في الرياض، حيث تجربة تسبقه، كشف العزاز جمالها وجمال نجد والصحراء، أعادت صورة ذهنية للوطن سحر وجمال وعفوية مواطنيه.
حمل قضيةً ليست خاصةً به، بل لأهل الوطن، كتب أجمل عنوانٍ لأجمل زاوية (الراكضون للخلف)، كانت تقنية العنوان وحدها، تختزل لك شخصية العزاز وتمرّده الداخلي، وشخصية الصحفي الكاتب والمدرسة الجديدة في الصحافة اليومية الرشيقة والجديرة بالاحترام مطلع شروق كل يومٍ من شمس الدمام والمملكة.
الشخصية التي لن تتكرر
العزاز.. لا يشبه أحدًا، ولا يشبهه أحد، استثنائي، سابقٌ في الفكرة، والطموح، وشروق الشمس، في عمرٍ صغير خطواته، أحب الشعر، والتشكيل، والقصة، والصحافة، والهندسة التي لم يُكملها، وكانت الأصوات جميعها تحت سقف (اليوم)، محمد العلي، عبدالعزيز مشري، علي الدميني، محمد جبر الحربي، محمد عبيد الحربي وغيرهم.
ارتبط بالفن والشعر، وكان المشري أحد صنَّاع صفحة (الرأي) المصاحبة لوحاته لأقوى المقالات التي نشرتها (اليوم).
ترك صالح العزاز أثرًا غير اعتيادي لمَن عرفوه، ولمَن عملوا معه، لقد أحبَّه الجميع، وتأثروا بشخصيته، لقد كانت شخصيةً لن تتكرر.. رحمه الله رحمة واسعة.
* رئيس تحرير صحيفة اليوم السابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.