نيابة عن مدير عام التعليم بجدة.. الكناني يدشن معرض «نحلم ونحقق»    الهلال ينهي تحضيراته لمواجهة الشباب بديربي الرياض    رئيس جمهورية غويانا التعاونية يستقبل الجبير    الكشف عن سيارة JAECOO المعدّلة حديثاً والمقرر إطلاقها في المؤتمر العالمي للتعاون البيئي المشترك!    "أرامكو" تستحوذ على حصة ب"مِد أوشن"    #الأخضر الأولمبي يتأهل إلى دور الثمانية    تراجُع "طفيف" لمؤشر الأسهم    مركز إيوائي جديد للمرضى العقليين    الإعلان عن أسماء الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2023    نائب أمير مكة يستقبل مدير فرع وزارة التجارة بالمنطقة    الدفاع المدني يدعو إلى الحيطة والحذر وضرورة البقاء في أماكن آمنة    وزير السياحة: الأكاديمية العالمية للسياحة هدية المملكة للعالم    العرس الثقافي الأول ينطلق    ملك البحرين يستقبل وزير الخارجية فيصل بن فرحان    السعودية تستضيف "سوبر جلوب 2023" للمرة الرابعة على التوالي    تحديثات مجدولة لأنظمة منصة "أبشر"    المسجد النبوي يستقبل 5 ملايين مصل في أسبوع    "مجلس أعمال" سعودي – سنغافوري    تحت شعار «اعرف.. خطط.. ابدأ».. إرشادات لمرضى القلب في اليوم العالمي    وزير الخارجية يلتقي نظيره البحريني ويستعرضان العلاقات بين البلدين    أمير القصيم يشكر المجلي على جهود الأمانة في مزاد الإبل بعنيزة    باكستان: إغلاق 56 ألف مدرسة لاحتواء فايروس «العين الوردية»    حرس الحدود بجازان يحبط تهريب (150) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    قطاع #الفرشة الصحي يُشارك في فعالية "اليوم الخليجي للصحة البيئية"    "مجمع الملك" يزف "مُعجم الرياض" للعالم    أهالي محافظة #شرورة يحتفلون بمناسبة #اليوم_الوطني_ال93    #أمير_منطقة_جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة #أبو_عريش    «العدل»: إتاحة تحديث الصكوك إلكترونياً عبر البورصة العقارية    بن نافل للهلاليين: ادعموا نجومنا بقيادة جيسوس    أشتية: الدور السعودي تجاه قضية فلسطين «رائد واستثنائي»    فيلم «تشيللو» يستحوذ على إعجاب النُقّاد السينمائيين والصحافة العالمية    هجوم الحوثي يقوّض السلام    تيك توك.. طلاق    «الشورى» ل«الصندوق العقاري»: زودوا المبلغ غير المسترد    المعجب يرأس وفد المملكة بمؤتمر مدّعي العموم ببريطانيا    فينغا رئيساً تنفيذياً للنصر    5 نصائح للنوم في حالة الإصابة بنزلة برد    مواقع التواصل «الطاسة ضايعة»    شخصيات ناقدة    يومٌ للمجدِ يحاكي رؤية 2030    جزيرة لامبيدوسا الإيطالية مقصد قوارب المهاجرين    مكونات الموقع الإلكتروني    المملكة تعزي ذوي الضحايا    وقفات مع اليوم الوطني    «الإذاعة والتلفزيون» تدشن برامجها بشعار الحيوية    استراتيجية المملكة تأسيس المعاهد لنشر ثقافة الاعتدال ومعالجة الفكر المتطرف    تهمة تحايل جديدة توجه لترمب    محافظ #سراة_عبيدة يرعى حفلَ اليوم الوطني السعودي 93    كنز وطني مطمور    أمير الجوف يوجه بتقديم أفضل الخدمات الصحية                                15 مهبطا للطيران الإسعافي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حائل تودع جارالله الحميد
نشر في عكاظ يوم 19 - 08 - 2022

من حي «عفيرا» بالشمال الغارق في حكايات الماضي ومضارب القطين وعرضة الدحة: هلا هلا بك يا هلا لايا حليفي يا ولد.. من هذا الحي المختنق بالأحواش والأعمدة والسيارات حَدَّ الفوضى، والمكتنز ببياض أهله الطيبين.. من هذا الحي تحديدًا لمحت وميضًا يلوح في الأفق البعيد تجاه حائل، سألت عن ذلك الوميض، سألت العابرين والراحلين، سألت البدو الرُّحَّل، سألت كثيرًا حتى يئست من السؤال. لأكتشف متأخرًا أنه وميض وجه مريم عندما رسمها جارالله الحميد من بين وجوه كثيرة، ونفخ فيها الحياة، لتبدأ معه لعنة مريم تطارده أينما حَلَّ وأينما ارتحل، تلك اللعنة التي حلَّت بجارالله ولازَمَتْهُ سنين طويلة، كانت لعنة قاسية ومريرة، لم يَنْفَكَّ منها حتى القبر هذا.
وبعد سنوات طويلة قُدِّر لي أن أزور هذه الأماكن المسكونة بمريم والحميد، هذه الأماكن التي شهدت مخاض ولادة مريم، كان المكان يفوح بتلك الذكريات والحكايات البعيدة، التي شهدت أيضًا جولاته وصولاته، التي بدأ منها معاركه الخاسرة، التي تَجَرَّع وتَكَبَّد مراراتها. تَجَوَّلتُ في هذه الأماكن فرأيت الجارالله جالسًا على صخرة يَهْذِي مع نفسه، وسمعت صدى لصوت فهد العريفي بلهجته الحائلية: وشنوحو، هيه، قلتلو مار ما طاعن، بكيفو، يختفي الصوت، ويختفي الجارالله، ويختفي طيف مريم، وأبقى وحدي في المكان أسترجع ذكرى لقاءاتي بالحميد، والأيام الخوالي من معرفتي به، والأماكن التي التقيته فيها، وآخر لقاء بيننا، كانت لقاءات عابرة عاصفة، لكنها حفرت داخلي وجعًا لازمني طوال حياتي. مَنْ يعرف جارالله يعرف طعم هذا الوجع؛ لأنه مختلف في كل شيء، في حزنه وفرحه، عندما تقابله ربما ينطق بكلمة واحدة، وربما لا ينطق بشيء، يبقى صامتًا يسرح كثيرًا، ويعود إليك لكنك تغادره وأنت أكثر حلمًا وتصميمًا. عاش منطويًا ومُهَمَّشًا في عُزْلَته التي اختارها لنفسه. تَنكَّر له الكثيرون من رِفاق الدرب. زَامَنَ الثورات العربية، وارتفاع سقف طموحاتها الكاذبة. انبهر بالبيان رقم واحد الصادر من الإذاعات العربية وهي تبشر بالزعيم الأوحد والقائد الأوحد والمخلص الأوحد، تلك الثورات التي قمعت المواطن العربي حتى الموت، وكرَّست الفقر والتخلف. حفظ قصائد محمود درويش ونزار قباني. وقف على أرصفة المدن العربية يسألها عن حلم سحيق، حلم مَرَّ من هنا، حلم تغنينا به طويلًا، وراهنا عليه طويلًا قبل أن يهوي إلى السحيق. انتشى بالحلم العربي، وانكسر بانكساراته، تلك لقطة بالأسود والأبيض عن معرفتي بالحميد. أما لقائي الأخير به فكان في النادي الأدبي بالرياض، التقيته وكان جسده متهالكًا، يتحرك بصعوبة بالغة بعد أن نال منه المرض، لقد جَفَّ عُودُهُ، وثقلت خطاه، ورغم ذلك كان شامخًا كالجبل. خرجت لوداعه في ساحة النادي، وكان الوداع الأخير، صَعِد إلى السيارة والتفت نحوي ووجَّه لي كلمات أشبه بطلقات رصاص ثم غادر، ومن ذلك الحين لم أَرَهُ لأُفَاجأ بخبر رحيله، كان خبرًا ثقيلًا أشبه بالصاعقة؛ لأن أمثال جارالله لن يجود بمثلهم الزمان، حزنت لرحيله، وحزن كل مَن يعرفه، وبكت حائل على فراقه، بكت من أقصاها إلى أقصاها، حتى جدران بيوتها خرجت من جمودها وصمتها الأزلي لتبكي بدموع غابرة سحيقة.. رحل جارالله الحميد، لكنه باقٍ في قلوبنا وموائدنا وحكاياتنا.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.