جعل الله سبحانه وتعالى لعباده مواسم للطاعات وأزمنة للخيرات وأوقات للقربات يتنافسون فيها ويزدادون قرباً إلى الله عز وجل ومن هذه المواسم عشر ذي الحجة التي أقسم الله بها في القرآن الكريم وما يقسم الله إلا بأمر عظيم ؛ لأن العظيم لا يقسم إلا بعظيم، قال تعالى: ( وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) . والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهو قول جمهور المفسرين ، قال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح. وهي الأيام المعلومات التي شرع سبحانه فيها ذكره قال تعالى: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام). الحج:28. وجمهور العلماء ذكروا أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة والرسول عليه الصلاة والسلام شهد لها بأنها أفضل أيام الدنيا قال صلى الله عليه وسلم :(أفضل أيام الدنيا أيام العشر يعني عشر ذي الحجة قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب). رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني. ومن فضائلها أن فيها يوم عرفة ، ويوم عرفة يوم الحج الأكبر تغفر فيه الذنوب، وتعتق فيه الرقاب من النار ، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً وشرفاً ، وفيها يوم النحر وهو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم: (أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر). رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني. وتجتمع فيها أمهات العبادة قال ابن حجر : (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره). ومن فضائل العمل الصالح فيها قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء). رواه البخاري. وهذا الحديث وغيره من الأحاديث تدل على أن كل عمل صالح يقع في أيام عشر ذي الحجة أحب إلى الله تعالى من نفسه إذا وقع في غيرها، وإذا كان العمل فيهن أحب إلى الله فهو أفضل عنده وتدل على أن العامل في هذه العشر أفضل من المجاهد في سبيل الله الذي رجع بنفسه وماله، وأن الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة تضاعف من غير استثناء شيء منها. ومن الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة أداء مناسك الحج والعمرة وهما أفضل ما يعمل في عشر ذي الحجة، ومن يسر الله له حج بيته أو أداء العمرة فجزاؤه الجنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). متفق عليه. والحج المبرور هو الحج الموافق لسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، الذي لم يخالطه إثم أو رفث أو فسوق أو رياء أو سمعة ، المحفوف بالصالحات والخيرات. قال ابن رجب: " لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام ، وليس كل أحد قادراً على مشاهدته في كل عام ، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره وجعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين ، فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج ". لطائف المعارف 272. ويقول أيضاً: "من لم يستطع الوقوف بعرفة؛ فليقف عند حدود الله الذي عرفه ، ومن لم يستطع المبيت بمزدلفة فلْيبت على طاعة الله ليُقَرّبه ويُزْلفَهُ ، ومن لم يقدر على ذبح هدْيه بمنى ؛ فليذبح هواه ليبلغ به الُمنى ، ومن لم يستطع الوصول للبيت لأنه بعيد ؛ فليَقصدْ ربّ البيت؛ فإنه أقرب إليه مِنْ حبل الوريد". لطائف المعارف 633. والصيام وهو من أفضل الأعمال الصالحة ، وقد أضافه الله إلى نفسه لعظم شأنه وعلو قدره ، فقال سبحانه في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). متفق عليه. وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبين فضل صيامه بقوله: (صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده). رواه مسلم. ومن السنة صيام تسع ذي الحجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها ، وقد نص العلماء على استحباب صيام العشر قال الإمام النووي: "صيامها مستحب استحباباً شديداً". والمحافظة على الصلاة والإكثار منها وهي عمود الإسلام ومن أفضل الأعمال وأعظمها وأحبها إلى الله تعالى ، والإكثار من النوافل في هذه الأيام ، فإنها من أفضل القربات ، وفي الحديث القدسي قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه). رواه البخاري. والإكثار من التكبير والتحميد والتهليل والذكر قال عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد). رواه أحمد. وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرها. وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً ، ويستحب الجهر بالتكبير في هذه الأيام ورفع الصوت به ، والصدقة وهي من الأعمال الصالحة التي يستحب الإكثار منها وخصوصاً في هذي الأيام الفاضلة قال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون). البقرة: 254. وقال عليه الصلاة والسلام: (ما نقصت صدقة من مال). رواه مسلم. والمحافظة على تلاوة القرآن الكريم وتعلمه وتعليمه ، وبر الوالدين ، وصلة الأقارب والأرحام ، وإفشاء السلام وإطعام الطعام ، والإصلاح بين الناس ، وحفظ اللسان والفرج ، والإحسان إلى الجيران ، وإكرام الضيف ، وإماطة الأذى عن الطريق والنفقة على الزوجة والعيال ، وكفالة الأيتام ، وزيارة المرضى ، وقضاء حوائج المحتاجين ، والاستغفار ، والإكثار من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، والبعد عن إيذاء المسلمين ، وأداء الأمانات ، وإغاثة الملهوف ، وغض البصر عن محارم الله ، والذهاب إلى المساجد ، والمحافظة على صلاة الجماعة ، والمحافظة على السنن الراتبة ، والحرص على الكسب الحلال ، وإدخال السرور على المسلمين ، والرحمة بالضعفاء والمساكين ، وفعل المعروف ، والدلالة على الخير ، وسلامة الصدر ، وترك العداوة والبغضاء ، والتعاون على البر والتقوى. فاجتهدوا في هذه الأيام المباركة بالأعمال الصالحة اللهم وفقنا لاغتنام هذه الأيام الفاضلة فيما يرضيك ، وخذ بأيدينا وأيدي المسلمين إلى كل عمل صالح يقربنا إليك ، وأعنا على كل خير فيها يا رب العالمين.