استمر مواء هرة عدة أيام ليل نهار بجوار داري، وتحديداً كان مصدر الصوت من جهة عمارة أُنشئت أساساتها المسلحة منذ سنوات وتوقف استكمال البناء بسبب خلاف نشب بين المالك والمقاول بذلك أصبح المكان مهجوراً و بلا حارس ويشكل خطورة على الأطفال والكبار والقطط كون المباني ذات عمق كبير وغير مسقوفة كالخزان مثلاً وغيره. نعود إلى الهرة المسكينة التي انقطعت حبالها الصوتية من عدد مرات المواء، بحثنا عنها أنا وابني في هذا المكان المهجور من اليوم الأول ولم نجدها، كنا نتوقع أنها جوعى وعطشى لذلك تكثر من المواء يومياً، والمشكلة أننا عندما ننزل بقرب المكان ينقطع صوتها لذلك لم نكن نتوقع أنها قد سقطت في أي مكان وحُبست فيه ولم تتمكن من الخروج، وبعد عدة أيام عاودنا البحث مرة أخرى وفعلاً وجدناها قد سقطت داخل أحد الأساسات العميقة في هذا المبنى المهجور، ولكنها لم تكن تتحرك حتى ظننا أنها قد نفقت، وحاولنا تحريكها بعصى طويل فتحركت ولكن ببطء شديد، بدا لنا أنها في حالة إعياء وإنهاك وفي حال يرثى له من شدة الجوع والعطش وكأنها قد شارفت على الهلاك، حاولنا النزول إليها بواسطة سلم بحذر شديد خشية الوقوع في المباني المجاورة المفتوحة والعميقة أيضاً أو التعرض للإصابات من الحديد المزروع على أطراف تلك المباني، بعد أن نزلنا بالقرب من الهرة لتقديم الطعام والشراب لها وإنقاذها ولكن يبدو أنها قد خافت عندما اقتربنا منها فقامت مهرولة نحو السلم وتسلقته وخرجت من المكان التي ظلت حبيسة فيه عدة أيام دون طعام وشراب. بعد هذا السيناريو الذي حدث معي، والذي قد يتكرر مع غيري وقد يسقط أطفال وهم يلعبون في مثل هذه الأماكن غير الآمنة أو قد تكون مثل تلك المباني المهجورة دون حراسة، وكر يرتاده متعاطو المخدرات وغيرهم من المنحرفين سلوكياً لممارسة أفعال إنحرافية وربما إجرامية، على أساس أن المكان آمن بعيداً عن أعين الأسرة وأفراد المجتمع والجهات الأمنية، هل ننتظر إلى أن يقع ذلك أم أن على البلدية إلزام المالك أو المقاول بإغلاق وتأمين تلك المباني المهجورة حتى لا تكون أماكن غير آمنة وتشكل خطورة على أرواح الأطفال أو أرواح القطط. لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة عُذَّبت في هِرَّة سَجَنَتْها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سَقتها، إذ حبستها، ولا هي تَركتْها تأكل مِن خَشَاشِ الأرض.