ضبط (19576) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    ورشة عمل في فندق كراون بلازا تحت إشراف جمعية القلب السعودية ضمن حملة 55 قلبك بخير    الاحتباس الحراري يفاقم الظواهر المناخية المتطرفة ويؤثر على الصحة العامة    جناح القوات الخاصة للأمن البيئي في الصياهد.. تجربة تفاعلية تحاكي الطبيعة وتعزز الوعي البيئي    أمطار رعدية ورياح نشطة على أجزاء من الرياض والشرقية وجازان وعسير    "البيئة" تدعو لتبني سلوكيات التخييم الآمن والتنزه المسؤول خلال فصل الشتاء    كشف السلطة في محل الفول: قراءة من منظور فوكو    سماء المنطقة العربية تشهد زخة قوية من الشهب هذه الليلة    المهارات الوظيفية بين اليقظة والغفوة والسبات    فريق قوة عطاء التطوعي يكرّم الزميلتين عائشة مشهور وزينب علي بمناسبة اليوم العالمي للتطوع    الذرة تنعش أسواق جازان    وزراء دفاع الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا يبحثون اتفاقية "أوكوس"    المأساة في غزة تتفاقم... الخيام تغرق والنازحين معرضين للخطر    القادسية يختتم معسكره في الإمارات بالفوز على الظفرة    أمسية شعرية وطنية في معرض جدة للكتاب 2025    مدرب الجزائر: محبطون للخروج من كأس العرب.. خسرنا بركلات الحظ    الأردني يزن النعيمات يصاب بقطع في الرباط الصليبي    القادسية يختتم معسكره الخارجي في دبي بالفوز على الظفرة ويغادر إلى المملكة    تراجع طفيف في أسعار النفط    الفتح يخسر ودياً أمام الاتفاق بثلاثية    إحباط تهريب (114,000) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي في جازان    الاتحاد السعودي للتسلق والهايكنج ينفّذ فعالية هايكنج اليوم الدولي للجبال بالباحة    ورشة عمل في كتاب جدة حول فلسفة التربية    الأردن يكسب العراق ويواجه الأخضر السعودي في نصف نهائي كأس العرب    تأجيل مباريات الجولة العاشرة من دوري روشن    رئيس دولة إريتريا يصل إلى جدة    تصوير الحوادث ظاهرة سلبية ومخالفة تستوجب الغرامة 1000 ريال    الطائف تحتضن حدثًا يسرع الابتكار ويعزز بيئة ريادية تقنيه واعدة في CIT3    تحت شعار "جدة تقرأ" هيئة الأدب والنشر والترجمة تُطلِق معرض جدة للكتاب 2025    جلسة حوارية حول اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة نظمتها جمعية سنابل الخير والعطاء بعسير    الجوازات تستعرض إصدارات وثائق السفر التاريخية في واحة الأمن بمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل ال (10)    الصعيدي يفتح دفاتر الإذاعة في أمسية بقصيرية الكتاب    إمام الحرم: بعض أدوات التواصل الاجتماعي تُغرق في السطحيات وتُفسد الذوق    إمام وخطيب المسجد النبوي: رحمة الله تسع العاصي والجاهل والمنكر    "الداخلية" تستحضر قيمة المكان والذاكرة الوطنية عبر "قصر سلوى"    تألق كبير لثنائية كنو والدوسري في كأس العرب    أمير منطقة جازان يشرّف الأمسية الشعرية للشاعر حسن أبوعَلة    محافظ جدة يطّلع على مبادرات جمعية "ابتسم"    الجريمة والعنف والهجرة تتصدر مخاوف العالم في 2025    المرونة والثقة تحرك القطاع الخاص خلال 10 سنوات    نائب أمير الرياض يعزي أبناء علي بن عبدالرحمن البرغش في وفاة والدهم    مدينون للمرأة بحياتنا كلها    نائب أمير جازان يستقبل الدكتور الملا    روضة إكرام تختتم دورتها النسائية المتخصصة بالأحكام الشرعية لإجراءات الجنائز    طرق ذكية لاستخدام ChatGPT    أمير المدينة المنورة يستقبل تنفيذي حقوق الإنسان في منظمة التعاون الإسلامي    مستشفى الملك فهد الجامعي يعزّز التأهيل السمعي للبالغين    «طبية الداخلية» تقيم ورشتي عمل حول الرعاية الصحية    زواج يوسف    القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا انهيار مبنيين متجاورين في مدينة فاس    غرفة إسكندراني تعج بالمحبين    أسفرت عن استشهاد 386 فلسطينيًا.. 738 خرقاً لوقف النار من قوات الاحتلال    ترفض الإجراءات الأحادية للمجلس الانتقالي الجنوبي.. السعودية تكثف مساعيها لتهدئة حضرموت    وسط ضغوط الحرب الأوكرانية.. موسكو تنفي تجنيد إيرانيين وتهاجم أوروبا    دراسة تكشف دور «الحب» في الحماية من السمنة    ضمن المشاريع الإستراتيجية لتعزيز الجاهزية القتالية للقوات الملكية.. ولي العهد يرعى حفل افتتاح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    طيور مائية    ولي العهد يفتتح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عادل إبراهيم الرفاعي *
نشر في جازان نيوز يوم 21 - 09 - 2013

قال أهل الأدَب : "إذا أردتَ أن تعرفَ الرجلَ فانظُر كيف تَحِنّنه إلى أوطانه وتَشَوُّقه إلى إخوانه وبكاؤه على ما مضى من زمانه". المحبّةُ للأوطان والانتماءُ للأمّة والبلدان أمر غريزيّ وطبيعةٌ طبع الله النفوسَ عليها، وحينَ يولَد إنسانٌ في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءَها ويتنفّس هواءها ويحيا بين أهلها فإنَّ فطرته تربطه بها فيحبّها ويواليها، ويكفي لجَرح مشاعر إنسانٍ أن تشير إليه بأنه لا وطنَ له. وقد اقترنَ حبُّ الأرض بحبِّ النفس في القرآن الكريم، قال الله عزّ وجلّ : وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيل مِنْهُمْ [النساء: 66].
كما ارتبط حب الوطن بالدين في موضع آخر قال تعالى : لا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8]. ولما كان الخروجُ من الوطَن قاسيًا على النّفس فقَد كان من فضائلِ المهاجرين أنهم ضَحَّوا بأوطانهم هِجرةً في سبيل الله، وفي سنَن الترمذيّ بإسناد صحيح عن عبد الله بن عديّ بن حمراء قال: رأيتُ رسول الله واقفًا على مشارف مكة فقال: ((والله، إنّكِ لخيرُ أرضِ الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منك ما خرجت))، قال العينيّ رحمه الله: "ابتلى الله تعالى نبيَّه بفراق الوطن". ولما علم النبيّ أنّه سيبقَى مُهاجرًا دعا بتحبيبِ المدينة إليه كما في الصحيحين، وفي صحيحِ البخاريّ أنّ النبيَّ كان إذا قدِم من سفَر فأبصر دَرَجات المدينة أوضَعَ ناقته أي: أسرَع بها، قال ابن حجَر رحمه الله: "فيه دلالة على فضلِ المدينة، وعلى مشروعية حبِّ الوطن والحنين إليه".أ
ومن عادة البشرِ يألفون أرضَهم على ما بها حتى ولو كان قفرًا موحِشًا، وحب الأوطان غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعَل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنّ إليه إذا غاب عنه، ويدفَع عنه إذا هوجِم، ويغضب له إذا انتُقِص. والوطنيةُ بهذا المفهومِ الطبيعيّ أمرٌ غيرُ مستَغرَب، وهذه السعادةُ به وتلك الكآبة لفِراقه وذلك الولاء له مشاعرُ إنسانيّة لا غبارَ عليها ولا اعتراض، ولا يجوزُ أن تكونَ مفهومًا مشوَّهًا يعارَض به الولاءُ للدين، فالإسلام لا يغيّر انتماءَ الناس إلى أرضهم ولا شعوبهم ولا قبائلهم، فقد بقيَ بلال حبشيًّا وصهيبٌ روميًّا وسلمان فارسيًّا، ولم يتضارَب ذلك مع انتمائِهم العظيم للإسلام. وعندما يفكّر الإنسانُ في طبيعتِه فسيجد أنّ له محبةً وولاءً وانتماءً لأسرتِه ولعشيرته وأهل قريتِه، كما يحسّ بانتمائه الكبير للأمّة المسلمة باتّساعِها وتلوّن أعراقها ولِسانها. إنّه لا تعارضَ بين هذه الانتماءات ولا مُساومةَ عليها، بل هي دوائِر يحوِي بعضُها بعضًا.
إنّ من المغالطة الإيهامَ بالتعارض بين الوطنيّة بمفهومها الطبيعيّ وبين الإسلام. إنَّ تصوير هذا التعارُض ليس إلا حيلةً للنيل من الإسلام واستغلالاً للمحبّة الغريزية للوطن لإيهامِ الناس بأنّ التمسك بتفاصيل الشريعة يعطّل بعضَ مصالح الوطن، وذلك عَبر مصادَمةِ أحكام الشريعة بمطالب الوطنية. أيّها المسلمون من مقتضيات الانتماء للوطن محبّتُه والافتخارُ به وصيانتُه والدفاعُ عنه والنصيحةُ له والحرصُ على سلامتِه واحترامُ أفراده وتقديرُ علمائه وطاعةُ ولاة أمرِه، ومِن مقتضياتِ الوطنيّة القيامُ بالواجبات والمسؤوليّات، كلٌّ في موقعه مع الأمانة والصدق، ومن مقتضيات حبّ الوطَن احترامُ نظُمه وثقافته والمحافظة على مرافِقه ومواردِ الاقتصادِ فيه والحِرص على مكتسَباته وعوامِل بنائه ورخائِه والحذرُ من كلّ ما يؤدي إلى نقصه , إنّ الدفاع عن الوطن واجِبٌ شرعيّ، وإنّ الموتَ في سبيلِ ذلك شهامةٌ وشهادَة، وفي قصّة الملأ من بني إسرائيل: قَاَلوُا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة: 246].عبادَ الله.
وحتى تتبيّن مظاهرُ الوطنية الصادقة ويسقُط زيفُ الشعارات فإنّ المتأمّل في الواقع يميّز بين المواطن الصالح الناصح لوطنه وبين الكاذب بالشّعَارات، فإنّ لخيانةِ الوطن مظاهِر وظواهر بعضُها مرّ على بلادنا فحُسِم أمره وكُبِت شَرّه، وبعضُها لم يزَل قائمًا يتشكّل ويتلوّن ويخفّ ويشتدّ ويَبِين ويتوارى، وبعضُها يظهر باسم الغيرة على الوطن وفي حقيقته غيرةٌ منه. ومن ذلك ما تورَّط به شبابٌ أغرارٌ رفعوا شعارَ نصرةِ الإسلام ورايَة الإصلاح فأخطؤوا سبيلَه، ولم يجدوا صدورًا يُفرِغون فيها رصاصَهم إلاَّ صدورَ أهليهم، ولا أمنًا يُزعزَع إلاَّ أمن بلادهم، ولا بناياتٍ تهدَم على مَنْ فيها إلا بنايات وطَنهم، يقطعون شجرًا أظلّهم، ويعكّرون ماءً سقاهم، يزعُمون أن عملهم لله وباسم الله وهم في حقيقة حالهم قد ارتَهنوا لأعدائهم وحُسَّادهم وصاروا أدواتٍ لهم يصرِّفونهم في الإساءة لأوطانهم كيف شاؤوا، ومن ورائهم من يبرِّر ويحرِّض , لقد تجلَّلوا بعار الخيانة، وتلبّسوا بجُرم الجناية، ناهيك عن تعرّضهم للإثم والمقت واستحقاق الوعيد الشديد.كم ضاقَت الحالُ بدولٍ وأُلجِئت من أوطان، ودفع المواطنون الأبرياء ضريبةَ ذلك الدمار والحصار، كلُّ ذلك بسبب خونةٍ للأوطان، راموا الانتقامَ من أشخاصٍ أو مؤسّسات في بلادهم، فكان الضرَر عامًّا والخسارةُ شاملة، ولنا في غيرنا عبرة وعظة. إنه لا عذرَ لأولئك المشهِّرين بمجتَمعهم الناشِرين لنقائصِ وطنِهم وعيوبِ مواطنِيهم، سواء ما كان منها واقعًا أو مبالغًا فيه أو ما كان فِريةً عليه، لا نجني من ذلك إلا إيغارَ صدور المواطنين على وطنِهم ومؤسساته والتشويه لوطَنهم، لا عذرَ لهم في ذلك أبدًا، إنهم إن راموا الإصلاحَ فليس هذا طريقَه، وإن أرادوا النقدَ فليس هذا سبيلَه، أمّا إن شاؤوا الانتقامَ من أفراد ومؤسّسات وجعَلوا ما مُكِّنوا فيه أذيةً وتصفيةَ حسابات فهذا هو الداء الذي لا علاجَ له إلا الكيّ.
إنّ أهمّ المعالم في طريقِ الإصلاح والنصيحةِ التثبّت من الحال والعدل والإنصاف في إطلاق الأحكام واطِّراح الهوى، وقبل ذلك وبعدَه عدمُ التشهير وإذاعة السوء، (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِه وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الأَمْر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83]، وفي سورة النور: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَاب أَلِيم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة وَاللهُ يَعْلَم وأنتم لا تَعْلَمُونَ [النور: 19]. وإشاعةُ الفاحشة تكون بالتحدّثِ بها وتَردادها في المجالس والمنتديات ؛ إن الاحتفال بيوم الوطن لابد أن يكون وفق الضوابط الشرعية والقانونية فحريتك تنتهي عند حرية الآخرين فلا ضرر ولا ضرار فعلينا التوجيه والإرشاد لمن وكل الله إلينا رعايته فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته , وقال تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا".
*أستاذ القراءات المشارك بكلية القرآن الكريم في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.