السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    تعديلات واستثناءات في لائحة ضريبة التصرفات العقارية    «الجمارك»: استيراد 93,199 سيارة في 2023    وزير الخارجية: القضية الفلسطينية أولوية تُعبّر عن صوت الأمة الإسلامية وضميرها الحي    يسله وجيسوس يحذران المهددين من «الإنذارات»    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    الأرصاد: توقعات بهطول أمطار على أجزاء من منطقة الرياض    «مهندس الكلمة» عاصر تحولات القصيدة وغيَّر أبعاد الأغنية    ميدياثون الحج والعمرة يختتم يومه الثالث "يوم الماراثون"    «MBC FM».. 3 عقود على أول إذاعة سعودية خاصة    لا تظلموا التعصب    معالي الفاسد !    أنقذوا «سلة الحقيقة»    عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. طريق الاستقلال !    القبيلة.. وتعدد الهويات الوطنية    «كاكا» الصباغ صرخة سينمائية مقيمة    الأمم المتحدة تغلق ممر المساعدات إلى دارفور    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    الذهب يتأرجح مع تزايد المخاوف بشأن أسعار الفائدة    تقدير الجهود السعودية لاستقرار السوق العالمية.. المملكة تعزز تعاونها مع أوزبكستان وأذربيجان في الطاقة    70 % نسبة المدفوعات الإلكترونية بقطاع التجزئة    الهلال يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأهلي    رونالدو: لا أركض وراء الأرقام القياسية    الطائي يتعادل مع الخليج سلبياً في دوري روشن    بتنظيم وزارة الرياضة .. "الأحد" إقامة المؤتمر الدوري للقطاع الرياضي    القيادة تعزي رئيس الإمارات وتهنئ رئيس بولندا    مجلس الشؤون الاقتصادية يشيد بالنمو المتسارع للاقتصاد الوطني    أبعاد تنموية    مليون وظيفة في «السياحة» عام 2030    وفاة صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل سعود    منح تصاريح دخول العاصمة المقدسة    ضبط أكثر من 19600 مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    أمر ملكي بتعيين (261) عضوًا بمرتبة مُلازم تحقيق على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    مفاوضات هدنة غزة.. ترقب لنتائج مختلفة    «الأوروبي» يدين هجمات موسكو السيبرانية    "زرقاء اليمامة".. أول أوبرا سعودية تقدم تفسيراً لإحدى أقدم الأساطير    ملتقى الصقارين ينطلق في الرياض بهدف استدامة هواية الصقارة    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    انطلاق فعاليات «شهر التصلب المتعدد» بمسيرة أرفى    سفير خادم الحرمين في الفلبين يستقبل التوءم السيامي وأسرتهما    طريقة عمل بسكويت النشا الناعم بحشو كريمة التوفي    «ذبلت أنوار الشوارع.. وانطفى ضيّ الحروف»    النملة والهدهد    ضبط مواطن في حائل لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    الديوان الملكي ينعى الأمير بدر بن عبدالمحسن    أمير الجوف يعزي معرّف جماعة الشلهوب بوفاة شقيقه    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    وزير الخارجية: السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة «التعاون الإسلامي» وتطويرها    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القديمي: دعاة الصحوة كانوا يحرمون "الدش" والآن نجوم فضائيات
نشر في أنباؤكم يوم 15 - 11 - 2009

نقلا عن إسلام اون لاين : يتحدث الكاتب والباحث السعودي نواف القديمي في الحوار الذي بين أيدينا عن تحولات ما يعرف بالتيار الصحوي في السعودية، ويوجه انتقادات كثيرة لبعضهم رافضا الصمت على أخطاء ومؤكدا على أن بعض دعاة الصحوة الذين كانوا يرون في الدش طارداً من الجنة هم الآن نجوم في ال LBC المسيحية.
ويتطرق القديمي لتيار الإخوان المسلمين بالسعودية وخصوصيته ومطالبته الدائمة بالإصلاح السياسي والتغيير، نافيا أن يكون هو أحد المنتمين لهذا التيار ومشيرا إلى أن تأثر في نشأته كثيرا بالتيار السروري. أما عن التيار الجهادي بالسعودية فيقول إنه ارتكز في معظم فتاواه على آراء الشيخ الأردني أبو محمد المقدسي المعروف بمنظر التيار السلفي الجهادي.
وفي تناوله للمسألة الشيعية بالسعودية يقول القديمي"أنا بالطبع لا أبرئ بعض شيعة السعودية من المساهمة في زيادة هذه الهواجس، عبر العلاقة المُريبة لبعضهم بإيران، لكن أزعم أننا نساهم بدفع مزيد من أبناء المذهب الشيعي للارتماء في حضن ولاءات سياسية خارجية".
وكان القديمي أجرى هذا الحوار عبر مواقع "رؤية الالكتروني"، وقد وقع اختيارنا على عدد من الأسئلة المتعلقة برصد تطورات الحالة الإسلامية والتدين في المجتمع السعودي لنعيد نشرها عبر موقع "الإسلاميون.نت" وذلك نظرا لأهميتها في رصد تطورات الحالة الإسلامية هناك ولكونها تقدم رؤية من الداخل السعودي لباحث مهتم بمتابعة الحركة الإسلامية السعودية وتفاعلها مع المجتمع والتيارات الأخرى سواء السياسية أو الفكرية.
*ما تقييمك لأسباب تشظي وتفرق مجموعة التنويريين بعد أن أصبح بعضهم ليبرالياً ورجع البعض الآخر لمحاضن تيار الصحوة الإسلامية، وهل بقي أحد ممن كانوا يصنفون تحت خيمة التنوير لم يبرح مكانه بعد؟
- المشكلة أن الحديث عن "مجموعة" يستدعي الإشارة إلى أشخاص، وهو ما كنت لا أفضل الخوض فيه، إلا أن الحديث ابتداءً عن تشظي هذه المجموعة يوحي وكأن الأفكار التي كانت تدعو لها وتدافع عنها تلاشت هي الأخرى، وهذا الأمر غير صحيح. بل إننا نجد اليوم أن 80% من تلك الأفكار التي كانت تخضع لسجال طويل في أواخر التسعينيات وفي السنوات الثلاث الأولى من بداية القرن الجيد، يتبناها اليوم عدد من الدعاة وطلبة العلم من أصحاب الحضور الجماهيري. بل إن شيخاً له حضوره الواسع والمؤثر وتاريخه الدعوي الطويل كالشيخ سلمان العودة لا تكاد تختلف آراؤه الحالية عن تلك الأفكار، إلا في شِق الإصلاح السياسي.
ومن جانب آخر، فإن عدداً من أبرز الأسماء التي كانت تُصنف في مقدمة هذه المجموعة، مازالت مؤمنة بذات الرؤى، ولم تتزحزح عن المسار العام لأفكار "الإصلاحية الإسلامية"، إلا ربما ما يدور في إطار التطور الطبيعي والهادئ للأفكار ونضجها، وفي مقدمة هذه الأسماء عبد العزيز القاسم ود.سليمان الضحيان وعبد العزيز الخضر ود.عبد الله الحامد وسواهم. وربما كان هؤلاء هم أبرز الأسماء التي صُنِّفت في إطار هذه المجموعة، وهم اليوم ليسوا ليبراليين، ولم يعودوا إلى محاضن الصحوة الإسلامية، بل لا يزالون على ذات المسار الذي بدؤوه منذ سنين عديدة. وبمعزلٍ عن ذلك كله لتذهب المجموعة ولتبقى الأفكار وليتطور التيار الإسلامي تحت أي شعار كان.
نقد الصحوة الإسلامية
* يرى البعض أنكم معاشر التنويريين عنيفون في نقدكم للصحوة والدعاة ولعموم التيار السلفي، وفي نفس الوقت أنتم لُطفاء جداً مع التيار الليبرالي والتغريبيين؟.
-لا أظن أن هذا الكلام صحيح، بل أظن أن النقد الذي يطال التيار الليبرالي أكثر من ذاك الذي يطال التيار السلفي. ولك أن ترجع إلى ما كُتب من مقالات، سواء لشخصي المتواضع، لآخرين، ستجد أن الخلاف مع التيار السلفي هو في غالبه (خلاف ثقافي)، يُدار بالحوار والدليل واستعراض الشواهد الشرعية والواقعية، أما الخلاف مع التيار الليبرالي، ففضلا عن الخلاف الثقافي، هو أيضاً (خلاف أخلاقي)، لأن مشكلة الليبرالية السعودية في غالبها طبعاً أنها أول من تنكَّر لأصولها وقيمها، فهي ليبرالية لا علاقة لها بالحرية إلا في شقها السلوكي التحرري، بل وربما ساهمت هذه الليبرالية في تكريس الاستبداد السياسي والعنف، ومارست التحريض الأمني تجاه التيار الإسلامي. لذا فقد يشوب النقد الموجه لهذا الانتهاك الأخلاقي بعض الحدة التي قد لا يستلزمها الخلاف الثقافي.
لكن على صعيد آخر، ولكون التيار الإسلامي يحظى بامتداد وتأثير كبيرين، فإنه في حال تطور هذا التيار واهتم بقضايا المجتمع الكبرى (الإصلاح السياسي والثقافي، وبناء مؤسسات المجتمع المدني التي ستفرز جهوداً خلاقة في مجالات تعزيز الهوية وحماية المنظومة الأخلاقية والثقافية)، فحينئذٍ سيكون التيار الإسلامي هو الرافعة الرئيسية لإصلاح المجتمع والنظام السياسي على حد سواء.. لذلك فإن دواعي الحوار وتطوير الأفكار والممارسة النقدية مع هذا التيار تحظى بأهمية كبرى مقارنة بتلك التي يستدعيها الحوار النقدي مع التيار الليبرالي الذي لا يكاد يحظى بأي شعبية تُذكر.
* ذكرت في حوار لك مع موقع "إخوان أون لاين" في سياق حديثك عن تيار التنوير الإسلامي أن أجندة هذا التيار تركز على نقد السلفية وتفكيك منظومتها التقليدية لأنها معيقة للتقدم.. هل مازلتم على هذا الرأي؟
- أعتقد أن المسار الفكري للتيار السلفي حدث له بعض التطور، فما أشرتُ إليه سابقاً من نقد السلفية قصدت به أن الرؤية للإصلاح كانت ترتكز على ضرورة الإصلاح الديني والثقافي، أي تحرير المنظومة الدينية من التقليد، وفتح آفاق الاجتهاد، وإبراز هامش التنوع والثراء الفقهي والكلامي الكبير في التراث، واستحضار علم المقاصد، وتطوير الخطاب الثقافي والاجتماعي والسياسي المحلي باتجاه التعامل برشد مع المنتجات الثقافية والمادية الحديثة، بدل الاندفاع وراء الممانعة السريعة. وهذه الرؤية بهذا المعنى مازالت حاضرة عند هذا التيار، لكن سايرتها رؤى أخرى ترى أن تطور المجتمع وانفتاحه وتطور منظومته الثقافية والدينية لن يتم بمعزل عن الإصلاح في النظام السياسي. وأن انفتاح المجتمع بات شبه حتمي بفعل أذرعه العولمة التي أحاطتنا من كل مكان، لذا فإن الإصلاح السياسي للسلطة باتجاه المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وتعزيز الرقابة على المال العام، وإصلاح القضاء ودعم استقلاله، وتنمية الاقتصاد، أن كل هذه المشروعات الإصلاحية هي حجر الأساس الذي ستتكئ عليه مشروعات تطور المجتمع. أعتقد أن هامش الاهتمام بالإصلاح الديني تضاءل بعض الشيء رغم أهميته لصالح الاهتمام بالإصلاح السياسي.
تدين جديد بالسعودية
* الآن المجتمع الشاب لم يعد كتدين السالفين، هناك أزمة ثقة، وهناك تدين من نمط جديد يُدعم دولياً وإعلامياً, وهناك النمط الإصلاحي النهضوي، هل يرى الأستاذ نواف في هذا غياباً قادماً للتدين السلفي التقليدي؟ فإن كان، فلِمَ؟ وإن لم يكن.. فكيف تقدر دور وحجم التيار السلفي المتدين في الجيل القادم؟!
- أزمة الثقة التي تحدثت عنها مُتوقعة، فالمجتمع الذي يمور بمتغيرات سريعة وجذرية على مستوى الأفكار وأنماط السلوك، لن يبقى ذات المجتمع الذي كان سائداً قبل عقود. هذا المجتمع بات يجد صعوبة في قبول فتاوى ترى التحريم في مسائل حيوية بالنسبة له، في ذات الوقت الذي يرى فيه عدد من العلماء الكبار عبر الفضائيات وفي الانترنت يرون الجواز لنفس المسائل. وهذا بالطبع لا يعني أننا مُقدمون على غياب للتيار السلفي التقليدي.. بل في اعتقادي أن هذا التيار سيبقى عميقاً ومتجذراً عند قطاعات واسعة في المجتمع، ولكنه سيشهد في المقابل انحساراً واضحاً مُقارنة بما كان عليه قبل مرحلة الانفتاح الإعلامي.
ونحن اليوم نلمس بوضوح مقدار التيسير الذي شهده المسار الفقهي عند كثير من الشيوخ وطلبة العلم المحليين، وبالخصوص أولئك الذين صار لهم نشاط إعلامي وحضور فضائي، وهذا التغيير إيجابي دون شك، وصار يتواءم مع منظومة فقهية باتت سائدة في العالم العربي، كنا نعتبرها سابقاً مُفرطة في التيسير.
التيار السلفي التقليدي سيبقى واقعاً تحت ضغوطات عملية حادة؛ فنزعة الأخذ بالأحوط، وعدم الاعتبار لطبيعة التحولات الجذرية التي يشهدها المجتمع، والاكتفاء بالتنظير الفقهي بعيداً عن محاولات إيجاد حلول واقعية عبر مشروعات عملية، سيجعل الناس أمام خيارين اثنين، إما الالتزام بالقول الفقهي المحلي السائد، أو تجاوزه والاتجاه للخيارات الفقهية المتاحة في العالم العربي، وعندنا شخصيات شرعية محلية بدأت تأخذ منحى التيسير، والنتيجة الطبيعية لذلك هو تقلص دائرة المرجعية الشرعية السلفية المُحافظة، لصالح مرجعيات شرعية أخرى. أعتقد أن التيار السلفي التقليدي أمام خيارين إما أن يتطور أو يتقلص.
أما الحديث عن "تدين يُدعم إعلامياً ودولياً"، فأعتقد أن التدين الذي يفضله المجتمع الدولي هو التدين الانعزالي، منزوع الأسنان، ذاك الذي يدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، ولك حينها أن تتساءل: ما هو التدين المفضل لأي سلطة في العالم الإسلامي، وللدول الغربية أيضا، أظننا سنصل إلى نتيجة واحدة، تتمثل فيما يُطلق عليه إعلامياً (التديّن غير المُسيس)، لذلك لا يرى كثير من خبراء الحالة الإسلامية في الغرب أي فرقٍ بين القاعدة والإخوان المسلمين؛ لأنهم يعتبرون أن كليهما نتاج رؤية إسلامية مُسيسة. لذا لا ترى لدى كثيراً من الدوائر الغربية مشكلة في التصوّف مثلاً، ولا في التيارات الدينية التقليدية المُقربة من السلطة، بما في ذلك السلفيّة الرسميّة.
* ألا ترى أن هناك تراجعاً واضحاً في مسيرة الانفتاح في المجتمع السعودي؟
- لا أرى ذلك طبعاً، بل المجتمع يتجه إلى مزيد من الانفتاح، وهو أمر أظنه بدا واضحاً لكل من يتابع الساحة الثقافية فكثير من الأفكار التي كانت تواجه بعنف وبفتاوى وبحملات منظمة قبل عشرة أعوام، باتت اليوم وجهة نظر مقبولة لا تستدعي الرد. انظر مثلاً لفتاوى الشيخ يوسف القرضاوي كم كانت مثيرة قبل عشرة أعوام، وكم هي مقبولة اليوم. وانظر مثلاً إلى طبيعة العلاقة مع القنوات الفضائية المفتوحة كيف تحولت من (حرب شعواء) إلى محاولة استغلالها وتقديم برامج شرعية وثقافية مفيدة عليها، حتى وصل الأمر إلى قبول شخصيات هي من صميم الصحوة، بتقديم برامج على قناة ال LBC المسيحية اللبنانية!.
انظر مثلاً للعلاقة مع الأطباق اللاقطة (الدش) كيف تحولت من التحريم والتجريم الذي وصل إلى مرحلة التألي على الله بأن مشتريه لن يرى رائحة الجنة!، إلى المسارعة في خوض غِمار المنافسة، وإصدار العديد من القنوات والباقات المحافظة، حتى لا تكاد تسمع من يقول اليوم أن الدش حرام.
وهذا بالطبع لا يعني أنه بات هناك قبول لما تُنتجه هذه القنوات المفتوحة. بل كل ما هنالك أن الأمر تحول إلى مزيد من الواقعية في التعامل مع المنتجات الحديثة، حيث أدركنا أن فتاوى التحريم لا تكفي لمنع الناس من اقتناء هذه الأطباق. وأنه مع كل العنف في التحريم والمواجهة الذي لاقتها الأطباق اللاقطة في بداية وأواسط التسعينيات، لم تمضِ عشرة أعوام إلا وهذه الأطباق تسترخي فوق أسطح 90% من المنازل في المدن السعودية!. بل وانتشرت هذه الأطباق في منازل الإسكان الداخلي لأعضاء هيئة التدريس في بعض الكليات الشرعية! كما رأيت بنفسي في إحداها.. لذلك يغدو المسار الأكثر جدوى والأقرب لتحقيق مراد الله في حفظ المجتمع المسلم من التردي الأخلاقي، هو في دخول حمّى المنافسة، بهدف خلق بدائل ملائمة لثقافة المجتمع.. لأن الاكتفاء بالمُمانعة والتشنيع والتحريم يعني مزيداً من التأخر في احتواء الشارع المسلم، وذلك سيصب دون شك في صالح مشروعات الآخرين الذين لا يعيرون اهتماماً للفضيلة والأخلاق.
وحتى على مستوى شباب الصحوة. فمن يتواصل مع فئات الشباب المتديّن سيلمس بوضوح مقدار الانفتاح الناضج الذي بدت مساحته تتسع في دوائر الصحوة.. شخصياً التقيت خلال ثلاثة أشهر بقرابة ثماني مجموعات لشباب ينتمون إلى أوساط الصحوة، وكثير منهم طلابٌ في الكليّات الشرعية، ولمست بوضوح مقدار تطور خطابهم الشرعي والفكري.
بل أظن أن هذا الانفتاح الذي نشهده اليوم سيمر في المستقبل بمرحلة مُقلقة، حين نُدرك أن هناك أكثر من ثمانين ألف مُبتعث سعودي معظمهم ذهب للدراسة في الغرب بعد فراغه من المرحلة الثانوية، أي أنه لم يتجاوز بعد سن العشرين، وربما لم يستخرج كثير من هؤلاء الشباب جوازات سفر إلا من أجل الابتعاث، وهذا يعني أن كثيراً من هؤلاء مروا بانعطافة حادة جداً، من بيئة محافظة تماماً، إلى بيئة مفتوحة تماماً تسمح لهم بفعل كل المحرمات.. ونحن نسمع اليوم كثيراً من القصص والتجارب لهؤلاء الشباب المُبتعثين. وهي تشير إلى أن مجتمعنا ربما يشهد في المستقبل القريب وجود طبقة ليبرالية واسعة من الشباب لم يعرفها من قبل. وهو أمر سيجعل المجتمع أمام تحدٍ حقيقي، فإذا لم يستوعب أهل العلم والدعاة هذه المتغيرات السريعة التي باتت تأتي من جهات عديدة (العولمة، البعثات ...الخ)، وأصروا على التمسك والترويج لنموذج تقليدي للتديّن وكأن شيئاً لم يحدث خلال عقدين من الزمن! فإن نتائج ذلك لن تكون سارّة على كل حال.
الحل يكمن في قدرتنا على تجاوز المنظومة التقليدية، وفتح أفق جديد لتدين حقيقي وعميق لكنه ليس مأزوماً مع العالم، وليس عنيفاً في تعامله من المنظومات الثقافية الأخرى التي ربما حوت كثيراً مما يمكن أن نستفيد منه، وإن اختلفنا معها في مفاصل جذرية.. يجب ألا نواجه كل متغير لا يروق لنا بعملية انتحارية فكرية. ولك أن تقيّم إن كان ثمة نتائج تحققت من حروب داحس والغبراء التي خاضها بعض المتدينين تجاه رواية بنات الرياض، أو قضية الدمج، أو لكلمة من هنا وجملة من هناك كتبها أحد مراهقي الليبرالية المحلية!.
يجب ألا نجعل الأجيال الشابة الجديدة تصطدم بخيارين اثنين، إما تدينٌ محافظٌ كذاك الذي كان سائداً في الثمانينيات والتسعينيات، أو الليبرالية بنسختها السعودية المشوّهة.
وبالطبع حين أتحدث عن الانفتاح، وعن تجاوز المنظومة التقليدية للتدين، فأنا لا أتحدث بهدف إيجاد حل توفيقي لمشكلة ضاغطة!، بل أتحدث عن ضرورة تعميق تديّن له حضوره التأصيلي الراسخ في النص الشرعي، بل أراه أقرب إلى روح الشريعة ونصوص الوحيين اللذين يملكان إعجاز القدرة على التواؤم مع كل البيئات والأزمنة. وهذا الأمر ربما استدعى استعراضاً موسعاً ليس هذا مقامه.
إخواني وتنويري
* ما هو الفارق الرئيس بين التنويريين والإخوان المسلمين بالسعودية؟
- حركة الإخوان المسلمين هي حركة كبيرة وممتدة على طول العالم الإسلامي وعرضه، وهي لذلك تحمل بطبيعتها قدراً كبيراً من المرونة الفكرية، بحيث تجد أن الإخوان المسلمين في السعودية هم في حقيقتهم سلفيون بمسحة إخوانية، والإخوان المسلمون في تونس هم ليبراليون مؤمنون بالمرجعية الإسلامية، والإخوان المسلمون في تركيا هم أقرب للتصوف منهم للسلفية، وهكذا.. وكل ذلك يرجع إلى أن جماعة الإخوان هي قائمة في أساسها على إطارين اثنين. الأول إطار يعتمد على مرونة فكرية وفقهية. والثاني إطار يعتمد على مسار أيديولوجي وسياسي وحركي أكثر دقة وتحديداً، ويرتكز بشكل رئيس على فكرة (تكوين حركة منظمة تهدف إلى إعادة الحياة الإسلامية في المجتمعات المسلمة، وإقامة الدولة الإسلامية)، لذا تجد أن ثمة تباينات واضحة عند جماعات الإخوان في الدول العربية والإسلامية بحسب البيئة والدولة التي تعمل بها، وبحسب طبيعة وضعها السياسي في تلك الدولة. حتى أن بعض الحركات الإخوانية في بعض الدول العربية صار هدفها الرئيس وأولويتها الكبرى تتمثل فقط في السعي لمجرد بقاء الحركة وتماسكها أمام قمع السلطة،وهذه المرونة التي تتكئ عليها جماعة الإخوان يمكن اعتبارها (نقطة ضعف وهشاشة فكرية)، و (نقطة تماسك وقوة حركية وسياسية).
لذا لا أستطيع الحديث عن الفارق الرئيس بين المجموعة المهتمة بقضايا النهضة والإصلاح السياسي في السعودية وجماعة الإخوان المسلمين، بسبب التباينات الواضحة في المناهج الفكرية للجماعة.. علماً أن كثيراً من المنتمين لمدرسة الإخوان في السعودية وخارجها يؤمنون بأولوية النهضة والإصلاح السياسي. ولكن هذا لا يعني أن أولوية النهضة والإصلاح السياسي صارت هي الأولوية المعتمدة لجميع حركات الإخوان، بل هي قد تكون مجرد أولوية لجيوب ومجموعات داخل بعض حركات الإخوان، كما هو الحال عند الإخوان في السعودية وفي غيرها. وفي الوقت ذاته ربما شكلت قضايا النهضة والإصلاح السياسي أولوية مُعتمدة ورئيسيّة لحركات إخوانية أخرى.
* هل أنت محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، أو نشأت معهم في بداية حياتك، وإذا لم يكن كذلك فمع أي فئات الإسلاميين نشأت أيام دراستك المتوسطة والثانوية؟
- لم أنشأ مع شباب الإخوان المسلمين، ولم أنتمي يوماً لفكر الإخوان، بل نشأت في مراحل دراستي المتوسطة والثانوية مع مجموعات الشباب الأقرب لتصنيفهم بالسلفية الحركية. الذين يُطلق عليهم إعلامياً اليوم اسم السروريّة.
الفكر الجهادي وأئمة نجد
*ذكرت مرة في مقال لك أن الفكر الجهادي اعتمد على بعض نصوص أئمة الدعوة النجدية أو ما يعرف بالوهابية في أحكام التكفير للأنظمة وجواز قتالها.. فهل كل الجماعات الجهادية اعتمدت على هذه النصوص.. أليست هناك مصادر أخرى للفكر الجهادي؟.
- هذا موضوعٌ كبيرٌ أيضاً، ويحتاج إلى بسط واسع، ولكن سأحاول أن أذكر لك إشارات مقتضبة عن خريطة المصادر الشرعية والفقهية للفكر الجهادي، حيث تحمل هذه المصادر بعض التنوع بحسب جغرافيا هذه الحركات. وابتداء فإن كل المصادر الفقهية للحركات الجهادية في العالم العربي تتكئ على النص الشرعي (القرآن والسنة) بشكل مباشر، وهي في هذا الأمر تتشابه بشكل كبير من حيث طبيعة النصوص التي يتم إيرادها وطبيعة تفسيراتها. أما في المصادر الفقهية، فهي تحظى ببعض التنوع وفقاً للتالي:
1- التيار الجهادي المصري: كان المرجع الأول والأهم لهذا التيار هو كتاب محمد عبد السلام فرج (الفريضة الغائبة)، ثم تبعته عدد من كتابات جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، وقد اتكأ كتاب (الفريضة الغائبة) وبعض الكتب الأخرى بشكل رئيس على فتاوى ابن تيمية وكتب سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وبعض الإنتاجات الفكرية للمدرسة الهندية.
2- التيار الجهادي المغاربي، والجزائري تحديداً: فقد كان المنظّر الأبرز لهذا التيار هو أبو قتادة الفلسطيني الذي أنتج عدة كتب لقيت رواجاً واسعاً عند التيار الجهادي المغاربي، من أهمها كتاب (الجهاد والاجتهاد)، والكتيب المتضمن لفتواه عن (حكم الخطباء والمشايخ الذين دخلوا في نصرة الطغاة)، وكتاب (الأربعون الجياد لأهل التوحيد والجهاد)، والعديد من الكتب الأخرى. وقد اتكأ أبو قتادة الفلسطيني في غالب تنظيره للفكر الجهادي على المذهب المالكي، وعلى المواقف الصارمة لفقهاء المالكية تجاه قضايا العدل والخروج على أئمة الجور، وفتاواهم ضد حكام الدولة الفاطمية، وسوى ذلك.
3- التيار الجهادي في السعودية والخليج: وكان المنظّر الأبرز لهذا التيار هو أبو محمد المقدسي، الذي أنتج عدة كتب من أهمها كتاب (ملة إبراهيم)، وكتاب (الكواشف الجليّة في كفر الدولة السعودية)، وسواهما، وقد اتكأ المقدسي في غالب تنظيره للفكر الجهادي على رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونصوص أئمة الدعوة النجدية. هذه باقتضاب شديد هي المسارات الرئيسية الثلاث للمصادر الفقهية التي اتكأت عليها التيارات الجهادية في العالم العربي.
السياسي والديني
* كيف ترى علاقة السياسي في السعودية بالعالم الديني، هل هي علاقة استغلال ومصالح شخصية لضبط الشعب كما يريد السياسي عبر الأداة المؤثرة هنا (العالم الشرعي), أم علاقة تكاملية واقتناع كل طرف بالآخر؟
- ليست المسألة محصورة بهذه الثنائية أيضاً، فعلاقة رجل السياسة بالعالم الديني هي علاقة متداخلة منذ بداية التاريخ الإسلامي وهي كذلك في الأديان الأخرى .. لكن المسألة أعقد من مجرد أن تكون محصورة في خيارين، إما (اقتناع وتكامل) أو (استخدام وتوظيف).. بل هي في الغالب مزيج من هذين العنصرين. ولكن يبقى السؤال الأهم، هو مقدار نسبة كل عنصر من هذين العنصرين في هذا المزيج وهنا محل التفاوت والتساؤل، ومجتمعنا يحمل ذات المزيج لكن تحديد نسب كلا العنصرين في هذا المجتمع يحتاج إلى فحص واستعراض تاريخي طويل لا أظنني أملك أدواته حالياً. هذا في حال اقتصر حديثنا عن علماء الشريعة الملتصقين بالسلطة، الذين عادة يتفاوتون بين الصادق، والمتأوِّل، والباحث عن مغانم السلطة. لكن عبر طول التاريخ الإسلامي وفي مجتمعاتنا الحالية أيضاً ثمة دوماً عُلماء شرعيون مستقلون تماماً عن السلطة السياسية، وهم في الغالب متحررون تماماً من أي تداخل مصلحي مع السلطة.
* هل تعتقد أن الهجمة الإعلامية على د.سعد الشثري تمت بتوجيه ودعم (من فوق)؟
- لا تحتاج المسألة إلى ذكاء مُفرط لنعرف كيف حدث ذلك.. لأنني لا أظن أن نشر أربعين مقالا كلها تحمل ذات المضمون، وخلال يومين فقط، أن كل ذلك كان مجرد (توارد خواطر!).
المسألة الشيعية
* هل تعتقد أن الشيعة لدينا أخذوا حقوقهم وزيادة, أم هم أقلية مظلومة؟
- لا أعتقد أنهم أخذوا حقوقهم وزيادة، بل أعتقد أن من الأهمية أن نُفرّق في التعامل مع شيعة السعودية بين مسارين: مسار حقوقي، ومسار سياسي. المسار الحقوقي يقوم على أساس أنه يجب أن يتم التعامل مع الشيعة وفق مبدأ المساواة في الحقوق مع الآخرين، بحيث تتم مساواتهم في كل ما يخص شؤونهم الحياتية والوظيفية والسياسية مع بقية المواطنين.. وأنا بالطبع مع هذا المسار.
أما المسار السياسي، فهو الذي يتداخل مع هواجس الولاء للخارج، والأمن القومي، وسوى ذلك من هواجس سياسية، ومشكلة هذا المسار أنه غير مُحدد المعالم، بل وسيفتح باباً واسعاً للظلم والاضطهاد تحت مُبرر القلق السياسي والأمني.
ورغم أنني أتفهم هذه الهواجس السياسية، إلا أنني أحسب أنه تم تضخيمها كثيراً فما هو الخطر المتوقع ولنذهب بالاحتمالات إلى أقصاها في حال تولت شخصية شيعية مثلاً وزارة الصناعة! أو أي وزارة خدمية؟ وماذا يمكن أن تفعل أقلية مذهبية ولنذهب كذلك بالاحتمالات إلى أقصاها لا يتجاوز تعدادها 10% من مجموع السكان، ولا تعيش في إقليم جغرافي خاص وقابل للانفصال، فماذا يمكن أن تفعل في حال تساوت في حقوقها مع بقية المواطنين؟!.
وأنا بالطبع لا أبرئ بعض شيعة السعودية من المساهمة في زيادة هذه الهواجس، عبر عدد من الحوادث والتصرفات، وعبر العلاقة المُريبة لبعضهم بإيران، لكن أزعم أننا نساهم عبر التمييز الحقوقي ضدهم بدفع مزيد من أبناء المذهب الشيعي للارتماء في حضن ولاءات سياسية خارجية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.