خبر صادم للسوق التجارية السعودية أن يتم إبرام صفقة بين شركتين من كبريات الشركات العائلية التي تعمل في نشاط صناعة المشروبات الغازية بطريقة سرية، وبما يخالف الأنظمة ويؤدي إلى الهيمنة الاقتصادية ومخالفة قواعد حماية المنافسة ومنع الممارسة الاحتكارية وعدم تبليغ مجلس المنافسة في وزارة التجارة والصناعة والحصول على موافقة مسبقة، ولأن هذه الصفقة تؤثر في الاقتصاد بشكل سلبي وتعزز الاحتكار وترفع الأسعار فقد تم فتح تحقيق لوجود مخالفة نظامية، فالصفقة بمبلغ ثلاثة مليارات ريال وتتطلب فعلا البدء في إجراءات التقصي والبحث والتحقيق وجمع الاستدلالات. نعم هناك نظام المنافسة ولائحة تنفيذية له، ويبدو أنه تم انتهاكهما ولا بد من التأكد من نظامية الإجراءات المتخذة بين الشركتين وفقاً لقواعد وأنظمة المنافسة، وعدم انتهاك أي من مواد نظام المنافسة واللائحة التنفيذية، لضمان عدم التأثير السلبي في السوق بشكل عام وتعزيز المنافسة في هذا القطاع الكبير بما يعود بالنفع على المستهلك النهائي ولا يضر بقية المستثمرين في هذا القطاع، حيث نصت المادة السادسة من نظام المنافسة على أنه على المنشآت المشاركة في عملية الاندماج أو المنشآت التي ترغب في تملك أصول أو حقوق ملكية أو حقوق انتفاع تجعلها في وضع مهيمن إبلاغ مجلس المنافسة قبل 60 يوماً على الأقل من إتمامها. إن الاستثمارات في قطاع المشروبات الغازية في دول مجلس التعاون الخليجي يزيد على تسعة مليارات ريال، تشكل الاستثمارات السعودية منها 77 في المائة، ويبلغ عدد الشركات العاملة في قطاع المشروبات في دول الخليج ما يقارب 230 شركة، وتشير الإحصائية إلى وجود قرابة 50 في المائة من هذه الشركات في المملكة، وهناك إحصائيات في غاية الدقة عن الاستثمارات في قطاع المشروبات الغازية صادرة عام 2010 من منظمة الخليج للاستشارات الصناعية "جويك"، تؤكد أن صناعة المشروبات بشكل عام في منطقة الخليج تشهد تطوراً لافتاً مع اتساع السوق وازدياد الطلب على المشروبات بأنواعها التي تشمل المياه المعدنية والعصائر والمشروبات الغازية. إن المحتكر يعمل على تعطيل جميع القنوات الاقتصادية من أجل زيادة أرباحه وتخفيض تكاليفه والضغط على المستهلكين برفع الأسعار، وعلى العمال بالتوظيف الشحيح لهم وتسريح من لا يحتاج إليه منهم وفرض سقف للرواتب يحقق له الحصول على مستويات متدنية من التكاليف ويضخم الأرباح، وبذلك يكون قادرا على فرض سياساته الاقتصادية حتى على السوق بأكملها بمن في ذلك المنافسون، ما يزيد من عوائق دخول مستثمرين آخرين إلى الصناعة ويعزز الوضع الاحتكاري له، لذا صدرت قرارات من مجلس حماية المنافسة بعد اكتشاف ومعاقبة عدد من التجار لتعمدهم رفع الأسعار نتيجة لوضعهم الاحتكاري. إن معالجة المشكلة لا تزال محصورة في فرض غرامات، والاحتكار لا تتم معالجته من خلال فرض الغرامات فقط، ذلك أن الغرامات مهما تعددت فهي محددة في النظام، كما أن المحتكر يعتبرها جزءا من تكلفة العمل ويقوم بتعويضها من خلال فرض أسعار احتكارية جديدة أو الضغط على السياسة الاقتصادية لمنعها أو التقليل منها أو تأخيرها على الأقل. لا بد من حلول جذرية لكل فعل احتكاري، ذلك أن الفعل الاحتكاري لا ينتج إلا من خلال تمتع التجار بوضع احتكاري استطاعوا تحقيقه طوال سنوات من إغفال مؤسسات الدولة مراقبة هذا التطور، ولأن تفعيل مجلس حماية المنافسة لم يتم إلا أخيرا. لكن هذه الأوضاع الاحتكارية تحتاج إلى جهود كبيرة وشجاعة لمواجهتها وإلا فلن تحقق الغرامات أي ردة فعل حقيقية، بل سيطور التجار استراتيجياتهم لتعزيز هذه الاحتكارات وفرض شروط جديدة على المجلس.