نحن لسنا في جزيرة معزولة عن العالم، لا نؤثر أو نتأثر.. نحن جزء من الأسرة الإنسانية نتوارث معها تجاربها الناجحة ونستفيد من أخطائها لتجنبها.. لنا ثقافتنا وقيمنا ومبادئنا التي نعتز بها لأنها تدعونا إلى الانفتاح على ثقافات الشعوب نفيد ونستفيد.. لدينا مصالح سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية، وكلما تعرف شركاؤنا على ما لدينا زادت مساحات الفهم وتقلصت مساحات الشك والريبة وتلاشت ظلالها السلبية وما تتركه من أوهام وسوء فهم ينفر البعض منا ويستغله آخرون لتشويه صورتنا. مناسبة هذا الكلام، الذي يعرفه الجميع، هو اختلاف النظر إلى جولة وزير العدل والوفد المرافق على المراكز والمؤسسات العدلية في بعض الدول الأوربية ضمن محور التواصل لمشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء.. فهذا التوجه وأمثاله يرتاب منه البعض ويخشاه آخرون ظناً منهم أنه «مهدد» لأصالتنا ومرجعيتنا الشرعية وبيئتنا القضائية.. والحقيقة أن الأصالة والقيم الراسخة تصقلها التجارب وتمحصها المقارنات وتزيدها ألقاً وعمقاً وتجذراً في نفوس وعقول أهلها والمؤمنين بها، فالمقارنات تتيح للإنسان أن يتعرف على قيمة ما لديه فيزداد تمسكا به. ليس من قيمنا ولا من ثقافتنا أن نخشى التجارب الإنسانية المساعدة على تطبيق آليات العدل وترسيخ مفاهيمه والاستعانة بالوسائل المحققة له.. ولهذا يصبح التواصل مع الآخرين وفتح آفاق التعاون مع شركائنا لمزيد من تحقيق المصالح المشتركة أمرا مطلوبا في هذا الظرف. الاستفادة من تجارب الأمم والثقافات التي سبقتنا في الصناعة والعلوم والاختراعات وما صاحبها من هيئات وهياكل مؤسساتية كلها مفيدة لأن التطور الصناعي والعلمي والتجاري رافقته علاقات معقدة ولدتها المصالح المختلفة وجلبت معها احتياجات استدعت الكثير من النظم والقوانين أثبتت صلاحيتها. ونحن بالتواصل مع الذين نجحوا في هذا سنوفر جهودا وزمنا ضروريين لمسيرة التنمية لدينا. والاستفادة من الغير في النطاق العدلي لا يعني مطلقا التفريط في نظمنا ومبادئنا، لكن الأخذ من التجارب الإنسانية التي تتعارض مع قيمنا يوفر علينا تكرار صناعة العجلة من جديد.