آل خليفة يُهنئ الأهلي ويشيد بنجاح المملكة في استضافة الحدث القاري    عبدالعزيز بن سعود يزور المسجد النبوي ويؤدي الصلاة في الروضة الشريفة    الحلم يسبق موعده    العطية يتوّج بلقب رالي السعودية والراشد يحصد المركز الثالث    فيرمينيو يُتوّج بجائزة أفضل لاعب في دوري أبطال آسيا للنخبة    «أوساط الرأي».. جوهرة إذاعية لامعة    الإعلام السعودي من نقل الحدث إلى صناعة المستقبل    عصر الترند والتفاهة: سقراط يبحث عن مشاهدات!    انتبهوا    "سالم الدوسري" يحصل على جائزة هداف نخبة آسيا    الأمم المتحدة تدعو إسرائيل على "الوقف الفوري" لهجماتها على سوريا    الإبادة لا تتوقف.. 28 شهيدًا في قصف «إسرائيلي» على غزة    «الجوازات» تصدر قرارات إدارية لمخالفي الإقامة والعمل    رئيس «الشورى» يرأس وفد المملكة في «البرلماني العربي»    نائب أمير الشرقية يرعى حفل التخرج بجامعة الملك فيصل    وزير الداخلية يدشن عدداً من المشروعات الأمنية في القصيم    بيانات اقتصادية مختلطة تعقد موقف الدولار مع تقلب الأسواق وانخفاض النفط    سيطرة سعودية.. تعرف على جوائز الأفضل في دوري أبطال أسيا    سمو وزير الرياضة يُهنئ القيادة بفوز فريق النادي الأهلي بكأس دوري أبطال آسيا للنخبة 2025    انطلاق مؤتمر السلامة والصحة المهنية غدا    مبادرة طريق مكة تجمع (رفيقي الدرب) بمطار حضرة شاه الدولي بدكا    حسابات دون كلمات مرور    زئبق سام وعصابات بمشاريع تنقيب ذهب الأمازون    المناعة مرتبطة باضطرابات العقل    فوائد غير متوقعة للرياضة على مرضى السرطان    مكة المكرمة الأعلى هطولا للأمطار ب17.6 ملم    حرس الحدود يطلق وطن بلا مخالف في جازان    النقل تباشر أعمالها استعدادا للحج في أكثر من 20 موقعا    أبو سراح يكرم داعمي أجاويد 3 بظهران الجنوب    "الهيئة السعودية للسياحة" توقع مذكرة تفاهم لتقديم عروض وتجارب نوعية للزوار    "الغذاء والدواء" تُسخّر التقنيات الحديثة لرفع كفاءة أعمال التفتيش والرقابة في الحج    الهلال يبدأ حقبة ما بعد جيسوس    إحباط تهريب (176) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في عسير    أوبك+: زيادة الإنتاج ب411 ألف برميل يوميا في يونيو    شجر الأراك في جازان.. فوائد طبية ومنافع اقتصادية جمة    مجتمع تيك توك: بين الإبداع السريع والتمزق العميق    نجاح عملية جراحية معقدة لاستئصال ورم ضخم في كلية مسن ببريدة    الملحقيات الثقافية بين الواقع والمأمول    «اليدان المُصَلّيتان».. يا أبي !    اللغة تبكي قتلاها    مركز التحكيم الرياضي السعودي يستقبل طلاب القانون بجامعة الأمير سلطان    سجن بفرنسا يطلق عن طريق الخطأ سراح نزيل مدان بسبب تشابه الأسماء    جمعية خويد تختتم برنامج "محترف" بحفل نوعي يحتفي بالفنون الأدائية ويعزز الانتماء الثقافي    أمين الطائف يطلق برنامج الأمانة لموسم الحج الموسمية    قطاع ومستشفى المجاردة الصحي يُفعّل مبادرة "إمش 30"    ذخيرة الإنسان الأخيرة" يخطف الأضواء في الطائف    مغادرة أولى رحلات "طريق مكة" من إندونيسيا عبر مطار جاواندا الدولي إلى المملكة    "العليان" يحتفي بتخرج نجله    "الراجحي" يحصل على الماجسير مع مرتبة الشرف    عدوان لا يتوقف وسلاح لا يُسلم.. لبنان بين فكّي إسرائيل و»حزب الله»    إطلاق 22 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في متنزه البيضاء    أمير تبوك: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    خلال جلسات الاستماع أمام محكمة العدل الدولية.. إندونيسيا وروسيا تفضحان الاحتلال.. وأمريكا تشكك في الأونروا    مدير الجوازات يستقبل أولى رحلات المستفيدين من «طريق مكة»    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية إثيوبيا بجدة    آل جابر يزور ويشيد بجهود جمعيه "سلام"    نائب أمير مكة يطلع على التقرير السنوي لمحافظة الطائف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاثاء انتفاضة المثقفات

هل ما حدث الثلاثاء قبل الماضي في النادي الأدبي في جدة من اعتراض بعض المحتسبين على مشاركة المرأة «لمكان تواجدهم»؛ مع أن تواجد النساء والرجال في مكان واحد ليس بغريب في مجتمعنا؛ فالنساء والرجال معا في الطواف والسعي وفي الأسواق وفي المقاهي والمطاعم.
مما يجعل ردة فعل المتشنجة من بعض من حضر الأمسية رداً يدخل في دائرة الشاذ لا الرد السوي؛ باعتبار أن كل ردة فعل تصطدم مع السلوك الطبيعي أو مما يدخل ضمن الطبيعي لتكراره والاعتياد عليه هي ردة فعل شاذة، والعكس صحيح؛ أي أن ردة فعل ما يدخل في صفة السوي لفعل غريب هي بدورها ردة فعل شاذة.
ولذلك اعتبرت ما ورد من سلوك بعض من حضر الأمسية سلوكا شاذا وفق الشكل العام لاعتيادية وتكرارية الحالة التي استفزت ذلك السلوك.
وقد يتساءل البعض هل ما حدث في «ثلاثاء انتفاضة المحتسبين» يحمل في طياته قنبلة ثقافية قادمة لقلب طاولة الوضع الثقافي رأسا على عقب؟، أم أنه مجرد سلوك لأفراد عبروا الطريق الثقافي لا يحمل أي تهديد لتحول ثقافي متزمت في الفترة القادمة؟
ما أقصده أن علينا أن لا نستبق الشر في تحليلنا لما حدث ولا نصعد سوء الظن بتفسير يستند إلى وهمنا لا إلى المنطق، كما أن علينا أن لا نُسذّج ما حدث واعتبار فاعلية شرذمة من المتخلفين، فلا المبالغة محمودة ولا التسخيف مطلوب.
إنما المحمود والمطلوب التأمل فيما بين الرماد وما هو تحت الركام الذي يُثير من وقت لآخر التمييز ضد المرأة باعتبارها مخلوقا معوّجا يحتاج إلى من يصلحه ويحميه من الوقوع في الغواية والفتنة.
إن ما حدث في نادي جدة الأدبي يكشف لنا «تطرف موقف الفكر الاحتسابي» من المرأة، وهو تطرف لا يتعلق بالوجود الثقافي للمرأة فقط، صحيح أن فاعلية الوجود الثقافي للمرأة هو الأوضح شكلاً على تحرر المرأة من سجن الفكر الاحتسابي، كما أنه الأوضح معنى في إثبات حق المرأة في تفعيل «الولاية التشاركية مع الرجل» وهو الخطر الذي يتوجس منه الفكر الاحتسابي.
بل يتعلق هذا التطرف الاحتسابي بالإضافة إلى خطر «الولاية الثقافية للمرأة» على «تعاليم الفكر الاحتسابي» بوجود المرأة الاجتماعي العام، فهو ضد مشاركتها في أي مجال لا يخضع لضوابطه وهيمنته.
وأي محاولة تفعيل لتلك المشاركة بعيدا عن ضوابط هيمنة الفكر الاحتسابي، يسعى حثيثا إلى تخويف الجميع من المرأة باعتبارها مركز «غواية الفتنة» وأساس «شيطنة الحاصل»، وسبب «فساد المجتمع والأمة».
وهو ما يؤكد لنا أننا مازلنا رغم إنجازات المرأة السعودية داخل نفس الدائرة ولم نخرج منها، الدائرة التي حُبست فيها المرأة المسلمة قرونا لأسباب ما أنزل الله بها من سلطان، لتظل جارية تحت رحمة الفكر الاحتسابي بدلا من رحمة الله.!
فلماذا رفض بعض المحتسبين وجود المرأة في نفس مكان وجودهم على الرغم من أنها تجلس خلفهم في مكان قصي؟
وأظن أن الأمر هاهنا ليس متعلقا بحجة الفتنة أو الاختلاط بل «بعقدة المرأة» التي خلقها «الفكر الاحتسابي» في ذهن أصحابه من المعلمين والمتعلمين.
وبذلك نجد أنفسنا أمام «عيوب الفكر الاحتسابي» لا تطرف أصحابه؛ لأن الدافع هو أساس الفعل، ولا فعل بلا دافع أو قاعدة اعتقاد.
إن الفكر الاحتسابي يستمد قوته وسلطته من «إضعاف المرأة» وكلما زاد في إضعاف المرأة عبر إقصائها وتصعيد الوهم بغوايتها وفتنتها وشيطنتها ونقصان قدرتها العقلية والتشكيك في استحقاق ولايتها، زادت فرعنته وهيمنته.
فالمرأة هي الوسيلة الحقيقية لإثبات وجود الفكر الاحتسابي، ولإعطائه بإحساس «سلطة العسكرة» كما أنها تستطيع أن تهدد «ذلك الوجود» متى ما تحررت من الدائرة التي رسمها لها الفكر الاحتسابي لحبسها، من أجل إيجاد جواز تشريعي لوجوده، وكأن تعبيد المرأة لازم تشريعي لوجوده.
إن الأمر حسبما أعتقد يحتاج من المؤسسة الدينية لدينا إلى «إعادة تأهيل الفكر الاحتسابي»، بما يتناسب مع عصرنة المجتمع ونهضوية المرأة على مستوى التفاعل والمشاركة، فيما لا يخالف تشريعا دينيا صريح النص وخالص القاعدة غير قابل لهوى التأويل والإضافة لزيادة سلطة ومصلحة، وفيما لا يضر بحرية المواطن سواء الرجل أو المرأة، فكل امرأة لها الحرية الكاملة في سلوكها ورأيها فيما لا يخالف تشريعا عقديا صريحا وخالص القاعدة، وفيما لا يهدد الأمن المجتمعي، ولا يشترط وجوب التقييد بما يفرضه تأويل الفكر الاحتسابي القائم على ضعيف الأدلة.
«فمفهوما المعروف والمنكر» يتطوران بتطور المجتمع، وهو تطور قد يوسع دائرة المعروف ويقلص دائرة المنكر، باعتبار أن الوعي الإنساني كلما تطور زاد إدراكه بالمنافع والأضرار الناتجة عن السلوكيات، وذلك الإدراك بدوره يوسع المعروف ويقلص دائرة المنكر، كما أن ذلك الإدراك الناتج عن الواعي يدفع الإنسان إلى ممارسة «احتساب ذاتي» وهو بدوره أيضا يسهم في توسيع دائرة المعروف وتقليص دائرة المنكر، وبذلك يصبح العلم والثقافة معادلا للفكر الاحتسابي و»إنما يخشى الله من عباده العلماء»، فالعلم والثقافة ترقي سلوك الإنسان وتبعده عن شبهات المنكر.
ليس المثقف ضد الفكر الاحتسابي بل هو ضد ما يستند عليه غالبا من الأدلة الضعيفة أو فرض أحادية الرأي القابل للتعدد على المجتمع؛ بما يعني مصادرة حق الفرد في اتباع الرأي الفقهي الذي يناسبه والذي لا يدخله دائرة الذنب أو المعصية، كما أن المثقف ضد العنف الذي يمارسه بعض المحتسبين و»عنجهيّة ونرجسية الأداء» وكأن المحتسب «نبي» أو «إله».
إن التقوى تؤدي إلى «رقي المرء» لا إلى «توحشه وعنفه وتطرفه» ولنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة.
يجب أن لا يكون هناك أي تعارض بين الثقافة والفكر الاحتسابي، أو أي وهم يروّج لفكرة العدائية بينهما وأن أحدهما يمثل «الكفر» والآخر يمثل «الإيمان»؛ لأن كليهما على الاعتبار مؤسس للشخصية الاجتماعية على مستوى الفكر والأخلاق، كما أن كليهما له دور في صناعة نهضة المجتمع، وكل منهما يجب أن يكون حاميا لوظيفة الآخر لا ملغيا لها أو مشككا في نفعيتها أو مؤكدا لتخلفها أو شيطنتها، وأظن أن هذه هي العلاقة الصعبة في ثنائية هذه المعادلة، ولا أقصد الدمج بينهما إنما التكاملية سواء بالتتابع أو التعاقب أو الترتيب أو حتى التراخي.
كما لا بد من دمج «شباب الفكر الاحتسابي» مع فئات المجتمع المختلفة والتيارات الفكرية المختلفة؛ لتعويدهم على مرونة قبول التعدد، ومشاركة التفاهم مع الآخر، والذي يظنونه وهم داخل القلعة التي حبسهم فيها الفكر الاحتسابي المتطرف أن كل من لايشبهم هو قادم «من عصر أبي جهل وأبي لهب».
وأظن أن استمرار علاقة التوتر والعنف بين المثقفين والفكر الاحتسابي المتطرف قد يدفع المثقف في يوم ما إلى الخروج حاملا شعار «المثقف يريد إسقاط المحتسبين» و»الله المستعان على ما تصفون».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.