أمارس هواية الجري منذ صغري ومازلت، ويزداد حبي وتعلقي بها سنة تلو أخرى لدرجة الإدمان. أمارسها دون انقطاع في حرارة جدة ورطوبتها، وخلال سفري خارج المملكة للعمل أو السياحة بما لا يقل عن ثلاث مرات أسبوعياً.أنا لا أبالغ إذا قلت أن هذه الهواية البديعة غيرت حياتي وأضفت عليها متعة يصعب إدراكها إلا لمن يمارسها بانتظام. ويكفي أن أقول إنها مكنتني من الحفاظ لأكثر من عشرين سنة على وزني بحدود 70-75 كجم بحد أقصى، وجعلتني أكثر قدرة على تنظيم يومي وعملي وغذائي. قرابة الساعة التي أقضيها يوميا في الجري ليست مجرد رياضة جسدية بل ذهنية وتأملية أيضاً، فكثير من أفكاري وقراراتي الرئيسة تولدت لدي وأنا أجري.سيتساءل البعض هل يمكن القيام بكل ذلك أثناء الجري؟ وإجابتي هي نعم بالتأكيد.. يمكنك أن تستفيد جسدياً وتمتع ناظريك بما يحيط بك، وتخطط بعقلك بشكل إبداعي.. ليس هذا فحسب بل وتكسب أيضا أجراً عظيماً لو استثمرت ساعة الركض تلك في التسبيح والتكبير والاستغفار بقلبك ووجدانك. سأعود الآن بذاكرتي لمنتصف الثمانينيات حين كنت أخرج للجري في شوارع جدة وتلاحقني نظرات وتعليقات الفضوليين، ثم في التسعينيات حين بدأت رياضة الجري والمشي تنتشر بين الرجال والنساء بكل إيجابياتها التي كان ينبغي تشجيعها وتوفير أفضل الظروف لها. حوالى ربع قرن مضى تضاعف فيه الوعي بهذه الرياضة متعددة الفوائد في حين ظل الاهتمام محدوداً للغاية بتوفير أماكن خاصة بها بعيدة عن التلوث والضوضاء والمعاكسات رغم أن كل ريال ننفقه عليها هو استثمار مضمون المردود. تخيلوا أن علاج مرضين فقط من الأمراض التي يعتبر الجري والمشي من أهم أساليب الوقاية منهما وهما السكر وهشاشة العظام يكلفنا سنويا حوالى 65 مليار ريال!.. مبلغ يكفي جزء منه لإنشاء ممشى نموذجي في كل حي لدينا.. أليس صحيحا أن الوقاية خير من العلاج؟!