الخريف يبحث في هولندا توطين الصناعات الطبية    الطرق تُعلن البدء بالتوسع في تنفيذ مبادرة تبريد الطرق    سفارة السعودية في المجر تنبه المواطنين بضرورة الابتعاد عن مناطق المظاهرات في بودابست    انتظام لاعبي الأخضر في معسكر الرياض    الانضباط ترفض شكوى الاتحاد ضد مالكوم وسعود    جوازات مطار الملك عبدالعزيز بجدة تستقبل رحلات ضيوف الرحمن القادمين من سوريا    هلال الباحة يشارك في اليوم العالمي للتمريض    تراجع أسعار الذهب للجلسة الثانية على التوالي    "فلكية جدة": القمر في التربيع الأخير.. اليوم    تدشين فرع الصندوق الجديد بالهوية المعمارية المحدثة في جدة    فرع الإفتاء بمكة المكرمة ينفذ سلسلة دروس علمية    سفير المملكة لدى المغرب: مبادرة طريق مكة أسهمت في تقديم خدمات متطورة ذات جودة عالية    وزير الخارجية يشارك في الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني    محافظ الدوادمي يترأس الاجتماع الثاني للمجلس المحلي    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة نابلس شمال الضفة الغربية    وزير الخارجية يصل الصين للمشاركة في منتدى التعاون الصيني العربي    رياح مثيرة للأتربة على منطقتي مكة والمدينة وارتفاع ملموس في درجات الحرارة العظمى بالشرقية    مطالبة شورية بزيادة الرحلات الداخلية وإنشاء مطارات    أمير حائل يدشن عدداً من المشروعات التنموية    عقار جديد يعالج الاكتئاب الحاد    ابتكره علماء صينيون.. ما قصة الفايروس الجديد الذي يقتل الإنسان في 72 ساعة؟    على ملعب نادي القيصومة .. انطلاق المرحلة ال14 من برنامج اكتشاف المواهب    20 مليار دولار طلبات اكتتاب على «إصدار الصكوك الدولية»    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية    إمارة منطقة مكة تشارك بمعرض ( لاحج بلا تصريح ) بمحافظة الطائف    أمير عسير يخرج الدفعة ال 10 من طلاب وطالبات جامعة بيشة    وزارة الموارد البشرية والجمعيات الخيرية يطلعوا على تجربة منتجع اكرام الوطني    عبدالعزيز بن سعود يلتقي مدير عام مكافحة المخدرات في منطقة جازان    حل طبي يمكّن المكفوف من «رؤية» الأجسام    إسرائيل .. المأزق والعزلة    حسام بن سعود يكرّم 29 فائزاً وفائزة بجائزة الباحة    صوت صفير البلبل.. التفكير خارج الصندوق    أمير حائل يرعى التخرّج الموحد للتدريب التقني    جانب الظل    بين الإيمان والثقة    حجاج بنغلاديش: «ضيوف خادم الحرمين» امتداد لعطاءات المملكة بخدمة الإسلام والمسلمين    وزير الداخلية يدشن عدداً من المشروعات في منطقة جازان    خالد بن سطام يشهد تخريج 7,066 من المنشآت التدريبية    العلاج بالخلايا الجذعية إنجاز علمي للشفاء من السُّكري تماماً    هذا السبب يجعلك تنام وفمك مفتوح !    محاولات فك الشراكة السعودية - الأمريكية !    لا تستفزوا الهلال !    أهمية الطيران في الاقتصاد السعودي    أمير القصيم يرعى حفل جائزة إبراهيم العبودي للتفوق العلمي بتعليم المذنب    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تكريم الكفاءات المتميزة بتعليم المدينة    رونالدو يتسلم جائزة هداف دوري روشن    إطلاق جائزة الفريق التطوعي بالقصيم    ربط رقمي بين الصندوق الصناعي و«تنفيذ»    تعزيز التعاون القانوني مع كوريا    ضمن رؤية المملكة 2030 .. الهلال الأحمر يستعد لخدمة ضيوف الرحمن    أمير الشرقية يتفقد خدمات المستفيدين بالإمارة    تكثيف الحشد الدولي للاعتراف بدولة فلسطين    بداية من الموسم الرياضي الجديد 2024-2025 .."حراس المرمى" في دوري "يلو" سعوديون    المدافع الإيطالي المخضرم ليوناردو بونوتشي يعلن اعتزاله    مايو زعيم التوعية الصحية عالميا    وزير الداخلية يلتقي القيادات الأمنية في منطقة جازان    6 أنشطة ابتكارية عالمية لسعوديين    جامعة الفيصل.. نموذج في التعليم الجامعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيا قضية الإجهاض وأسلمة المجتمع

خطوة جديدة على طريق تأكيد ثوابت تركيا الحضارية، وخصوصية نسيجها الاجتماعي، اتخذها حزب العدالة والتنمية، بإعلان رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان ، في الثامن والعشرين من آيار مايو 2012، بأن حكومته تعتزم سن قانون بشأن تجريم الإجهاض، باعتباره ظاهرة ضارة اجتماعياً وتنموياً، فضلاً عن اصطدامها بقيم المجتمع وإرثه الحضاري.
وما يُمكن قوله خلاصة، هو أن تركيا قد وضعت نفسها على طريق تأكيد هويتها الثقافية. وأضحت لديها القناعة الكاملة بالعمل على الجمع بين متطلبات العصر وضروراته من جهة، والمحافظة على شخصيتها الحضارية، وخصوصية نسيجها الاجتماعي، من جهة أخرى..
وينفي حزب العدالة والتنمية باستمرار وجود أي تعارض بين العلمانية وبين المحافظة على القيم الإسلامية السامية، وصيانة المجتمع من عوامل الانهيار والتحلل.
وفي كلمة له أمام الجمعية الوطنية التركية، في شباط فبراير الماضي، قال أردوغان إن حزبه يريد "تربية نشء متدين".وخاطب المعارضة بالقول: "هل تنتظرون من حزب محافظ وديمقراطي، مثل العدالة والتنمية، أن ينشئ جيلا من الملحدين؟. ربما يكون هذا شأنكم ورسالتكم، لكنه ليس شأننا. سننشئ جيلا ديموقراطيا محافظاً، يؤمن بقيم ومبادئ أمتنا".
وكانت انتخابات العام 2002 النيابية في تركيا قد شهدت تحولاً كبيراً في الفضاء السياسي، إذ فقدت الأحزاب التي تشكل الحكومة معظم التأييد الشعبي.واستفاد حزب العدالة والتنمية من ذلك، وحقق أغلبية برلمانية مثلت 67% من أصوات الناخبين. ولاحقاً، تم ترشيح الرجل الثاني في الحزب، عبدالله غل، لانتخابات أيار مايو 2007 الرئاسية.
ونقضت المحكمة الدستورية رئاسة عبدالله غل، بسبب شخصيته المتدينة. وعندها دعا حزب العدالة والتنمية لانتخابات نيابية جديدة، أجريت في22 تموز يوليو 2007. وعلى إثر ذلك ارتفعت أصوات حزب العدالة والتنمية من %34.2 إلى 46.5%. وجرى في البرلمان الجديد انتخاب عبدالله غل رئيساً جديدً لتركيا، بدعم من حزب الحركة القومية.
وقد أسس هذا المتغيّر السياسي الكبير في فضاء تركيا الوطني لمتغيّر اجتماعي، بدأ يزداد بروزاً واتساعاً، ولما يبلغ منتهاه بعد.
وبالعودة إلى قضية الإجهاض ذاتها، يُمكن أن نشير إلى أن الإجهاض يعتبر حتى اليوم قانونياً في تركيا، وذلك حتى الأسبوع العاشر بعد الحمل. وقد سن هذا القانون منذ العام 1983.
وفي سياق موازٍ لحملته ضد الإجهاض، كرر أردوغان رفضه للولادات القيصرية، قائلاً إنها ليست سوى طريقة أخرى للحد من نمو السكان، لأن النساء اللائي يخترنها قد لا ينجبن أكثر من طفلين.
وفي أعقاب تعليقات أولية لأردوغان، أعلن وزير الصحة التركي عن خطط لمعاقبة المستشفيات التي تقوم بعمليات ولادة قيصرية "غير ضرورية".
وتشير أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن تركيا تحتفظ بمعدل مرتفع للولادات القيصرية، تجاوز 40% من المواليد الأحياء، وفق مؤشرات العام 2009. ولا تتجاوز هذه النسبة بين دول المنظمة سوى البرازيل والصين. وتوصي منظمة الصحة العالمية الدول المختلفة بنسبة لا تزيد عن 15% في المجمل.
كذلك، دعا أردوغان الأسر التركية إلى إنجاب ثلاثة أطفال كحد أدنى. وقاطع ، في نيسان أبريل الماضي، رئيس الوزراء الفنلندي، خلال مؤتمر صحفي في أنقرة، ليشير إلى أن على الفنلنديين أن ينجبوا ثلاثة أطفال على الأقل.
وخلال زيارة لكازاخستان، أبلغ أردوغان رئيس وزرائها أن على الكزخ أن ينجبوا بمعدل خمسة أطفال لكل زوجين.
في إطار المشروع الاجتماعي لحزب العدالة والتنمية، يُمكن أن نشير إلى أن إحدى حلقات هذا المشروع قد تجسدت في المعركة المستمرة من أجل تأكيد حق المرأة في ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، بما فيها المدارس والجامعات.
وقد دفع الحزب ثمناً غالياً قبل أربعة أعوام لقاء قانون سعى إلى تشريع ارتداء الحجاب في الجامعات، إذ تم اعتبار ذلك مخالفاً للدستور. وأفلت الحزب من قرار حله بسبب ممارسته "أنشطة معادية للعلمانية"، كما جرى توصيفها في محضر الادعاء.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن السبب المباشر الذي قاد عام 2001 إلى حظر حزب الفضيلة الإسلامي، الذي انبثق عنه حزب العدالة والتنمية، قد تمثل في إصرار النائبة مروة قاوقجي على أداء اليمين الدستورية عام 1999 وهي ترتدي الحجاب، فطردت من البرلمان، وأسقطت عنها جنسيتها لاحقاً.
وقد كشف استطلاع للرأي أجري عام 2010، بأن حوالي 60% من نساء تركيا يغطين رؤوسهن خارج منازلهن. وتقول تقديرات أخرى، إن نسبة ارتداء الحجاب، زادت في العام ذاته، من 64.2% إلى 69.4%. وتزداد نسبة مرتديات الحجاب لدى الفئات الشابة في المجمل.
ومن هنا، بدا حرمان المحجبات من دخول سوق العمل، ومنعهن من التفاعل مع المجتمع، بمثابة قرار بعزلهن عن العالم.
وفي 15 كانون الثاني يناير من العام 2008، صرح أردوغان خلال زيارة له لإسبانيا قائلاً: "لنفترض أن الحجاب هو رمز سياسي، فهل يمكن اعتباره رمزاً للجريمة؟ كيف يمكن حظر الرموز؟".
وعلى الرغم من ذلك، رفض حزب العدالة والتنمية دعوات ناشطاته، وامتنع عن دعم المرشحات المحجبات إلى الانتخابات التشريعية، التي جرت في حزيران يونيو من العام 2011. وقال أردوغان إنه "لا يجب أبداً أن يكون الحجاب موضع مساومة للدخول إلى البرلمان". وذلك رداً على مبادرة قامت بها مثقفات تركيات، بينهن صحافيات وروائيات، طلبن دعم المرشحات المحجبات في الانتخابات التشريعية.
وقد خشي الحزب من استغلال هذه المسألة، من قبل خصومه العلمانيين، بطريقة تؤدي إلى ملاحقته مجدداً أمام القضاء بتهمة معاداة العلمانية.
ولم يسجل الحزب سوى امرأة واحدة محجبة على لوائحه للانتخابات التشريعية التي جرت في 12 حزيران يونيو 2011، هي غولدرين غولتكين، لكنها لم تكن تملك فرصاً كبيرة للفوز، لأنها في أسفل اللائحة.
وقد اعتبر بولنت ارينج، المسؤول في الحزب، أن زمن النائبات المحجبات لم يحن بعد. وقال انه "لا علاقة للحجاب بالعلمانية أو النظام، لكن لدينا مخاوف تقليدية وشبهات"، مضيفاً: "اعتقد أنه يجب علينا مزيداً من الانتظار".
في تطوّر جديد، أعلن وزير التعليم التركي، عمر دينجر، في نيسان أبريل الماضي، بأنه سيجري التقدم بمذكرة قانونية تهدف إلى السماح لطالبات المدارس الثانوية والعليا بارتداء الحجاب، أثناء دروس التربية الدينية، سواء بالمدارس الدينية أو المدارس العامة، التي تعتبر مادة التربية الدينية اختيارية.
وتدعم الخطوة الجديدة فتح بعض الأقسام الخاصة بالتعليم الثانوي في مدارس الأئمة والخطباء، والتي تعلم أردوغان في إحداها.
وكان قد صدر في العام 1980 قانون حظر دخول المحجبات للجامعات والمدارس، وقاعات المحاكم والإدارات الحكومية، بل وحتى مدارس الأئمة والخطباء.
وبالاستناد إلى الدعم الشعبي لتعديلاته الدستورية، التي أقرت عبر استفتاء جرى في أيلول سبتمبر 2010، نجح حزب العدالة والتنمية في تليين المنع الذي يطال ارتداء الحجاب في الجامعات، بفضل تعديلات أدخلها على مجلس التعليم العالي، وهي المؤسسة التي كانت تفرض في السابق علمانية متشددة.
وقد حيّت المفوضية الأوروبية دعم الأتراك لهذه للتعديلات الدستورية التي طرحها حزب العدالة والتنمية. وقال المفوّض المكلف شؤون توسيع الاتحاد الأوروبي، ستيفان فول: إن نتيجة الاستفتاء "تظهر مواصلة المواطنين الأتراك التزامهم بالإصلاحات، في سبيل زيادة حقوقهم وحرياتهم".
بالإضافة إلى قضيتي الإجهاض والحجاب، نجح حزب العدالة في تمرير قانون جديد للتعليم، بدا منسجماً مع خصوصية المجتمع التركي، وهواجس الأسر على وجه الخصوص.
ففي 30 آذار مارس 2012، اعتمد البرلمان التركي بأغلبية مريحة قانون إصلاح النظام التعليمي. وأقر النص بأغلبية 295 صوتاً، مقابل 91 صوتاً، وصوت واحد باطل.
وجرى وفق هذا القانون إعادة تنظيم نظام التعليم الإلزامي ليتحول من مرحلة واحدة من ثمانية أعوام متتالية، إلى ثلاث مراحل كل منها أربع سنوات.وهكذا أصبح على التلميذ التركي قضاء 12 عاماً في المدرسة بدلاً من ثمانية أعوام. بيد أنه سيكون باستطاعته، اعتباراً من نهاية المرحلة الأولى، التوجه نحو التعليم التخصصي، وهو ما ليس متاحاً في النظام الحالي.
ويرى المؤيدون أن النظام الجديد أكثر ملاءمة لاحتياجات المؤسسات والأسر، لأنه يتيح توجيه التلميذ اعتباراً من سن العاشرة إلى مؤسسات التعليم المهني. إلا أن المعارضة العلمانية رأت أن الهدف الأساسي من هذا الإصلاح هو إتاحة التحاق التلميذ، منذ المرحلة الابتدائية، بالمدارس الدينية، وتمكين الأسر المحافظة من سحب أبنائها، وخاصة الفتيات، من المدارس العلمانية.
ولم ينس أردوغان بالتأكيد أن مدرسته تعرضت للتدمير عبر قانونين سابقين، أحدهما فرض عقب الانقلاب العسكري في العام 1997، ووفقاً له لا يمكن الالتحاق بمدارس الأئمة والخطباء بعد إتمام التعليم الابتدائي. والثاني كان في العام 1999، وقد منع بموجبه طلاب هذه المدارس من دخول الجامعات غير الدينية، الأمر الذي أعاق، وبشكل جدي من جاذبيتها.
وما يُمكن قوله خلاصة، هو أن تركيا قد وضعت نفسها على طريق تأكيد هويتها الثقافية. وأضحت لديها القناعة الكاملة بالعمل على الجمع بين متطلبات العصر وضروراته من جهة، والمحافظة على شخصيتها الحضارية، وخصوصية نسيجها الاجتماعي، من جهة أخرى. وهذا هو السبيل القويم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.