القيادة تهنئ رئيس جمهورية كولومبيا بذكرى استقلال بلاده    الجوازات تحث المواطنين على التأكد من مدة صلاحية الجواز قبل السفر خارج السعودية    اختتام فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي والعالمي 2025 بجامعة الملك سعود    إنطلاق الدورة العلمية الصيفية الثالثة في محافظة فيفا    المياه الوطنية تبدأ تنفيذ 9 مشاريع مائية وبيئية في نجران بأكثر من 551 مليون ريال    "الأونروا": إسرائيل تجوّع مليون طفلٍ في غزة    المملكة تساند العائدين من النزوح في السودان بسلال غذائية    هونج كونج تصدر أعلى تحذير من العاصفة مع اقتراب الإعصار ويبا    ظاهرة المد الأحمر تقتل آلاف الكائنات البحرية بأستراليا    المدينة المنورة.. إرثٌ جيولوجي يمتد إلى أعماق التاريخ    هزة أرضية بقوة 3 درجات تضرب محافظة دهوك العراقية    الفريق الروسي يحصل على درع البطولة ومليون دولار بعد تغلبه على السعودي "Team Falcons" في المباراة النهائية    ولي العهد يرحب بإجراءات الشرع لاحتواء الأحداث الأخيرة في سورية    المملكة ترحب باتفاق إعلان المبادئ بين الكونغو وحركة 23 مارس    المملكة تحمي أطفال العالم    وفاة الوليد بن خالد بن طلال    عمالتكم عطشى يا محطات الوقود    نقي يتوّج بكأس بطولة منطقة الشرقية 2025 للهوكي    الأخضر الأولمبي يواصل تدريباته في أوزبكستان استعداداً للدورة الدولية    زفاف أسطوري لنجل إيلي صعب    الرنين المغناطيسي يقتل رجلا    10 % رسوم حديد التسليح    أرامكو: نتائج الربع الثاني 5 أغسطس    86 ألف مكالمة في يوم واحد إلى مركز 911    السعودية مرشحة لاستضافتها العام المقبل.. العالم يترقب مواجهة ميسي ويامال في كأس فيناليسيما    ممثل الوطن يستحق المقعد الآسيوي    الهلال يفاوض آيزاك هداف نيوكاسل    القيادة تُعزّي رئيس جمهورية العراق في ضحايا الحريق الذي وقع في مدينة الكوت    ولي العهد للرئيس السوري: واثقون من قدرة الحكومة السورية بقيادتكم على تحقيق الأمن والاستقرار    39 % معدل النمو .."ندلب": 986 مليار ريال ناتج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية    الشرع يحذر من مشاريع الانفصال والتدخلات الخارجية.. وقف شامل لإطلاق النار في السويداء    الإطاحة بمقيمين لترويجهما مادة الكوكايين المخدر    من البلاغ إلى القبض.. الأمن العام يختصر الزمن ويحسم القضايا    إحباط 1541 محاولة تهريب خلال أسبوع في مختلف المنافذ    الداخلية: ضبط 23 ألف مخالف في الحملات الميدانية    روسيا تهاجم ميناء أوديسا الأوكراني    وسط تقييمات متباينة بين الطرفين.. تصعيد متبادل بين واشنطن وطهران بشأن «النووي»    أسعار الذهب تتراجع على وقع قوة الدولار    أزياء مستلهمة من ثقافة المملكة    حياكة السدو    5 أفلام صيفية تتنافس في الصالات العربية    أكدت أهميتها في بناء المعرفة.. "الدارة" تناقش دور الوثائق التاريخية في صياغة الذاكرة الوطنية    مطلقات مكة يتصدرن طلبات النفقة المستقبلية باستقطاع شهري    41% نسبة السعوديات في القطاع الخاص    أشياء يومية تعج بالبكتيريا الخفية    فوائد غير متوقعة للنحاس عند كبار السن    دراسة: البيض لا يرفع مستويات الكوليسترول الضار    وفاة «مؤثر» اتبع حمية اللحوم لمدة 3 سنوات    خطيب المسجد الحرام: ذِكر الله يُحيي القلوب ويُؤنس الوحشة    المملكة تحصد سبع جوائز دولية في أولمبياد الرياضيات والمعلوماتية    أمير القصيم يدشن مبادرة "أيسره مؤونة" للتوعية بتيسير الزواج    أكثر من 11 ألف طن من مياه زمزم لسقيا ضيوف الرحمن في المسجد النبوي    «من الميدان»... القطاعات الأمنية توثّق جهودها اليومية بعدسة الكاميرا    ترسيخ الاعتدال ومحاربة التطرف    وفاة الوليد بن خالد بن طلال بعد معاناة مع المرض    السعودية تُرحب بالتوقيع على إعلان مبادئ بين الكونغو وتحالف نهر الكونغو    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين فقه الموازنات ..؟
نشر في أنباؤكم يوم 19 - 04 - 2010

د. عيسى الغيث - المدينة السعودية
كتبت الجمعة الماضية في زاويتي بملحق الرسالة بهذه الجريدة مقالاً عن الفقه المُغيَّب، وأوردت فيه عدة أنواع من الفقه غُيِّبت عن الناس، وبدلاً من أن يقوم المفترض منهم بالمبادرة لبيانها وعدم كتمانها؛ إذ بنا نجد من بعضهم من يتجاهلها، بل ويزدري مَن كَشَفَها وعَمِل بموجبها.
ومن أهم هذا الفقه؛ فقه الموازنات، الذي حينما غاب عنا وغبنا عنه؛ حلت بنا الاختلافات، وتحولت إلى خلافات، فنزاعات، فحروب؛ انتهت بفتاوى تكفيرية، وتحزبات تبريرية، ومناصرات اصطفافية، في حين أن التنظيرات المثالية والتحذيرات النظرية قد ساقتها الرياح في وجوه الناصحين وداستها الأقدام على رقاب الصادقين.
كنا قبل ربع قرن من الزمان نتربى في محاضن هؤلاء الأخوة، ونقرأ ونكتب ونسمع ونحاضر عن مثاليات راقية وأخويات عالية، وفيها يوجَّه الواحد منا على الاستقلالية والإيجابية، ولكن ما أن تحاول تطبيق شيء من هذه النظريات حتى تطالك السهام وتستميت في إقصائك الجهام، ضاربة بعرض الحائط كل درس تربوي وبحث فكري وبرنامج علمي.
كم هي الكتب التي قرأناها، وكم هي الأشرطة التي سمعناها، وكم هي الدروس التي حضرناها، وكم هي المناشط التي أعددناها، وكم هي الرحلات التي أقمناها، وكم وكم من مشاريع وبرامج أتممناها، ثم عند بلوغ الثمرة ووصول القافلة واستواء التربية يأتي زمن الحقيقة، فإذا بها جدران مرتفعة، وحدود ضيقة، وعقول مُغيَّبة، وقلوب مُيَبَّسة، فلا يملك الواحد منا إلا أن يتساءل بمرارة قائلاً: أين تلك المثاليات النرجسية والتربويات الوهمية عند أول اختبار؟!.
وخذوا مثلاً مسألة فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من حيث ماهيته وحكمه وشروط إنكار المنكر وقواعده وسمات الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وآدابه، وثمرتها في الشواهد والتطبيقات لمراعاة السلف وعلماء الأمة لفقه الموازنات في إنكار المنكر.
فالغزالي في إحياء علوم الدين يقول «وأما إن رأى فاسقاً متغلباً وعنده سيف وبيده قدح، وعلم أنه لو أنكر عليه لشرب القدح وضرب رقبته، فهذا مما لا أرى الحسبة فيه وجهاً، وهو عين الهلاك، فإن المطلوب أن يؤثر في الدين أثراً، ويفديه بنفسه، فأما تعريض النفس للهلاك من غير أثر فلا وجه له بل ينبغي أن يكون حراماً، وإنما يستحب له الإنكار إذا قدر على إبطال المنكر، أو ظهر لفعله فائدة»، فهذا في حق الفرد وحمايته لنفسه فكيف بمن يحمي المجتمع من الفتنة.
ومن ذلك أن ابن تيمية منع أصحابه من الإنكار على التتار شربهم الخمر خشية توجههم إلى ما هو أبغض منه، وكذلك منع ابن القيم من الإنكار الذي ينقل إلى حالة أسوأ، لأن هدف الإنكار هو نقل الشخص المنكر عليه إلى حالة أفضل من الحالة التي هو عليها، فإن كان الإنكار سبباً لنقله إلى حالة أسوأ مما هو عليه فلا يجوز الإنكار عليه حينئذ، ومن ذلك ما ذكره ابن القيم في إعلام الموقعين حيث يقول «إذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون ونحوها، وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر، فدعه وكتبه الأولى»، فهذا هو الفقه الذي لا يعرفه إلا العلماء الكبار، وليس المتعالمين الصغار.
ومن ذلك منع الإمام ابن النحاس من الإنكار على شرب الخمر الذي ينقل صاحب المنكر إلى اغتصاب امرأة فيقول «لو وجدنا رجلاً يرقب امرأة ليفسق بها إذا مرت، فرأى خمراً فاشتغل بشربه، ولو منعناه لامتنع، ولكن يتنبه للمرأة ولا نقدر على دفعه عنها، فإنا لا نمنعه من شرب الخمر إذا كان شربه يشغله عن منكر أعظم منه، وفي عكس هذه المسألة نمنعه قطعاً».
وترك شيوخ الموصل الإنكار على من كان يحدث بأحاديث مناكير خوفاً من حدوث فتنة، حيث قرر جماعة منهم الإنكار عليه، فلما رآهم مقبلين عليه عرف قصدهم، فبدأ يحدث الناس بحديث موضوع، وقد تضمن عقيدة صحيحة، ولما سمع الشيوخ ذلك الحديث الموضوع رجعوا من غير إنكار عليه، خوفاً من إساءة الناس الظن بهم من أنهم يعارضون تلك العقيدة الصحيحة، فتحدث فتنة أعظم من المنكر الذي أرادوا إزالته، حيث قال قبل أن يصل إليه الشيوخ؛ حدثنا قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «القرآن كلام الله غير مخلوق»، فوقف الشيوخ ولم يجسروا على التقدم إليه لينكروا عليه خوفاً من العامة ورجعوا دون أن يجسروا بالكلام معه، وذلك خوفاً من أن يظن الناس بهم أنهم لا يؤمنون بما دل عليه ذلك الحديث الموضوع، من أن القرآن كلام الله غير مخلوق، فتحدث فتنة أعظم من المنكر الذي أرادوا إزالته.
إننا نمر بمرحلة هامة، وأخوتنا وأبناؤنا يحتاجون لفهم عميق ووعي دقيق لما يدور عندنا وفقاً لضوابط الشرع دون تفريط ولا إفراط، وذلك بتطبيق فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد، وجلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، فنوازن بين المصالح أولاً، ثم بين المفاسد ثانياً، ثم بين المصالح والمفاسد ثالثاً، وعند التعارض فتقدم المصلحة الكبرى على الصغرى، والعليا على الدنيا، والضروريات على الحاجيات، ثم التحسينيات، وسبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.