أحمد عبدالرحمن العرفج - المدينة السعودية الجَمال له حضوره عند الإنسان والحيوان، وله سَطوته على القلوب «الجافَّة والنَّاشفة»، ويَكفي أنَّ أحدهم مِن شُعراء بني يَعرب «الأشقياء»؛ صرَّح أنَّه ضحيّة «عيون جَميلة» حين قال: عيونٌ مِن السّحرِ المُبين تُبينُ لها عِند تَحريك الجفُون سكونُ! إذا أبصرتْ قَلباً خليًّا مِن الهَوَى تَقولُ له كُن مُغرماً فيَكونُ ! والحقيقة أنَّ أصحاب الجَمَال المُتواضع -مِن أمثالي- يُعانون مِن قلّة القبول عند الآخرين، وشُحّ التِّرحاب مِن المُستقبلين والمودِّعين.. ولا غَرابة في ذلك، «فالحُسن يَفعل فِعل السِّحر»! وحتَّى لا يَكون المَقال ضَائعًا في شَوارع مدينة التَّعميم، وتَائهًا في أزقّة «خَان الخَليلي اللغوي»، سأذكر قصّة تَمرُّ عليّ وعَليكم، ولكن لا أحد يَفطن لها، لذا سأُذكِّر بها الغَافل، وأُحرِّض الخَامِل! في كُلِّ مَرَّة أزور فيها أهلي في بريدة، أدخل على طَائفة كبيرة مِن النِّساء؛ اللواتي يَدعونني «يا خَال»، وحين السَّلام والمرور عليهم سَلاماً وتَقبيلاً، تُنثر بَعض فَناجين الشَّاهي، وأركل برجلي -عن غير قصد- بعض الحلويّات والتّمور والمكسّرات، وأُحدث شيئاً مِن الفَوضى غير الخلَّاقَة، الأمر الذي يَجعل الأصوات تَرتفع مِن بَعض الحضور قائلة: (فتّح عيونك)، أو (أنتَ أعمَى) أو (الله يعميك ما تَشوف) أو (هذا أعمَى بَصر وبَصيرة) أو (انتبه يا خَال الله يَخلخل ضروسك).. إلخ، هذا كُلّه لأنَّني لستُ مِن أهل الجَمَال! ولكن لو دَخَلَت حَسناء مِن تلك الطَّائفة، -وهُنَّ ولله الحمد كُثر-، وفَعَلَتْ مَا فَعَلْت أنا، -مِن ركل للأكواب، ودَهس للمكسّرات والحلويّات-، لكَانت ردّة الفِعل مُختلفة جِدًّا! وقد حَدث ذَات مَرَّة أن إحداهن نَثرت «فنجان قهوة»، فصَاح الجميع بأقوال مُختلفة مثل: (يفداك المَكان كُلّه) أو (انكبّ الشَّر) أو (عَسَاه فداك) أو (كُبّي ولا تُفكّرين بشيء لأنَّ كُلّه فداك).. إلى آخر هذه الكَلمات، التي تُطمئن «الفَاعل» أو «الفَاعلة»! حَسناً.. مَاذا بَقي..؟! بَقي أن أُذكّركم بالأثر: «التمسوا الخير عند صَباح الوجوه»، والعَوام يَقولون: «الحُسن مَرحوم»، بمَعنى أنَّ فَاعله مَهما فَعل مِن فعل قَبيح؛ فجَمَاله يَشفع له ويَرحمه! ليَظهر الأمر كُلّه مِن خلال قَول الشَّاعر: وعينُ الرِّضا عَن كُلّ عيبٍ كَليلَةٌ ولكن عينَ السّخطِ تُبدي المَسَاويا! ولكن السُّؤال الكبير الذي أطرحه: مَا ذَنب المَرء عندما يَكون خُلق هَكذا.. ليس قَبيحاً، بل أقل جَمالاً مِن غيره، بحيثُ لا يُقبل مِنه حتّى «رَكل كوب شَاهي مِن غير قَصد»..؟!.