كنت جالساً لوحدي أقلب أحوال الدنيا.. ولأن الفراغ يصنع المعجزات، داهمتني فكرة عجيبة وعاجلة.. ماذا لو عرض علي تولي وزارة فأيها يمكن أن أختار..؟ وبدأت باستعراض الوزارات وتخيل حال وزيرها.. الشؤون البلدية والقروية، مرفوضة، لأن فقط التعديات على الأراضي ومحسوبيات المنح ستسبب صداعاً نصفياً في الليل، وصداعاً كلياً دائماً في النهار. وزارة الداخلية، مرفوضة، لأنك لو تتخيل فقط أنك ستكون مسئولاً عن جعل الناس يقودون سياراتهم في الشارع مثل «الأوادم»، وستكون مكافحاً للمهربين والإرهابيين ونهابي الجوالات وأصحاب اللوثات المتجددة بأنواعها.. لأصبت بالغثيان. وزارة الشئون الاجتماعية، مرفوضة، لأن كميات ضخمة من الأموال تكب في هذه الوزارة من أجل الفقراء، والفقراء يزدادون عدداً وسوء حال. هذه الوزارة مجموعة من الوزارات، الطلاب والطالبات لوحدهم يحتاجون إلى وزير ووزارة، والمعلمون والمعلمات يحتاجون إلى وزير ووزارة، والمباني تحتاج إلى وزارة إنشاءات، والمناهج تحتاج إلى وزارة خاصة فأين تذهب الأموال.. لا بد أن يكون المرء مسئولاً عن إعادة هيكلة الجمعيات الخيرية، وفرض رقابة صارمة، وهذا يحتاج إلى عمر آخر. ولكن رغم أن كل الوزارات تحتاج إلى جهد وعمل وسهر، إلا أن كل الوزارات في جانب ووزارة التربية والتعليم في جانب آخر. وزارة التربية، مرفوضة، مرفوضة، مرفوضة بالثلاث. لأنها وزارة «مرعبة». ويكفي أن هذه الوزارة قد قطعت حبل أفكاري، وسدت نفسي عن التفكير بأية وزارة أخرى. وأتخيل أن وزيرها إما أن يتقاعد بسلة «متنوعة» من الأمراض، والأرجح أنه في أواخر سنينه سيكلم نفسه، ويتخيل، وهو في مجلس الوزراء، أنه يكلم مدير أو مديرة مدرسة أو حارس أو معلمة بديلة لمعلمة أخرى في حالة إجهاض، أو يكلم متعهد وسائل أو مندوبي الصيانة أو المقاصف. وربما سيتحول شعر رأسه، إذا بقى فيه شعر، إلى غصون اشجار عرفج.. مشاكل الوزارة بال«كوم» وتتزايد: حوالي خمسة ملايين طالب وطالبة، كثير منهم «مدللون»، يأتون إلى المدارس ل«التمشية» وتزجية الوقت، وألسنة أوليائهم حادة كالسكاكين أو سياط من لهب. ومئات الآلاف من المعلمين، وبعضهم، يكره التعليم وإنما رمت به الأقدار ل صفوف المدارس، وآلاف من المديرين والمديرات، وبعضهم أصبح مديراً ب«الدعوات الصالحة» وغيرها، وليس في نيته إلا الاهتمام بشئونه وتجارته، وعشرات الآلاف من المدارس. والمدارس وحدها وصيانتها وإدارتها «معمعة» خاصة، تكفي لأن تغرق أمهر سباحي بحر المانش والمحيط الأطلسي والبحر الأصفر. هذه الوزارة مجموعة من الوزارات، الطلاب والطالبات لوحدهم يحتاجون إلى وزير ووزارة، والمعلمون والمعلمات يحتاجون إلى وزير ووزارة، والمباني تحتاج إلى وزارة إنشاءات، والمناهج تحتاج إلى وزارة خاصة. والمديرون والمديرات يحتاجون إلى وزارة «إصلاح»، تدخلهم في أفران حرارية، كي تخلصهم من شوائب محسوبيات الماضي. وتعيد صهرهم وإخراجهم بمهارات مهنية رفيعة. وتر سيدة الأقمار الولهى.. كيف هي خطى مد القفار؟.. وعبق الخزامى. وقبضة الضياء في يديك.. وما تهب رياح الشمال. وبهاؤك تفيضه البيد. [email protected]