لا ينافس النساء في حب اقتناء الأحذية المتنوعة إلا الجيل الجديد من المراهقين. فوجود مراهق في البيت يعني وجود خزانة تفيض بالأحذية من كل الماركات، التي تتبعثر في كل أركان المنزل. فالحذاء لم يعد وسيلة للمشي ووقاية القدمين بقدر ما صار عند هذا الجيل المرفّه صورة من صور استعراض الذات، وتزيينها بالإكسسوارات التجميلية. في الفترينات الباذخة تكتظ كل الماركات العالمية للأحذية الرياضية أديداس، بوما، نايكي، فيلا، ريبوك، بألوانها الزاهية وتصميماتها الجذابة. كما تتراكم الأحذية الثقيلة المفضلة عند المراهقين تمبرلاند، كلارك، لوجز، كات، هاش بوبيز، كاتربلر بألوانها الترابية وصبغاتها الصارخة. التي يريد من خلالها هؤلاء الصبية التدليل على ماهياتهم وهوياتهم الجديدة. ولأن السوق الشبابي للأحذية مضمون الربحية لم تفوت الشركات العالمية الفرصة فأنتجت مجموعة من الأحذية الخفيفة الجاذبة للمراهقين مثل لاكوست، وغوشي، وماشينو، وبولو، ودي آند جي، وقولدن وابو، وبوس، التي يتم ترحيلها إلى خزائن البيوت على إيقاع إعلانات تجارية مغرية، فالأحذية كوووول، وكاجوال، وصيفية، وشتوية، وربيعية، وخريفية، حتى أنه تم ابتداع شوزات النزهة، وشوزات الكشخة. وبالإضافة إلى الإعلانات يراقب المراهق نجوم الفن والرياضة ليقتدي بهم ويقلدهم في اقتناء حذائه. وهو أمر يتم التركيز عليه في عملية التسويق، فالمراهق يريد أن يتمثل بنماذج شهيرة من رأسه حتى أخمص قدميه. أي أن يستنسخ النجم المعروف في لبسه وطريقة مشيه والصورة التي يبدو عليها بشكل عام. كل ذلك جزء من مشهد حياتي كبير تتشابك فيه نزعة الاستهلاك مع ثقافة الاستلاب وتداعي منظومة من القيم الأسرية. ويمكن بالتأكيد استيعاب بعض جوانب هذه الظاهرة في نواحيها المادية تحديداً. ولكن الذي لا يمكن تقبله هو الخراب الهائل الذي يتراكم فوق قدمي المراهق المغطاة بالحذاء، فكلما صعدت إلى أعلى ذلك الكائن اصطدمت بالخواء. إن سر النزاعات في البيت مع المراهق لم تعد تبدأ من رأسه وطريقة تفكيره بل من قدميه. فكل هذه الأحذية التي تسد منافذ البيت توهمك بوجود شاب رياضي معتدل الجسم أنيق المظهر، إلا أنك تفاجأ بشاب كسول سمين، لا يحب الرياضة، ولا يمارس أي نوع من أنواع المشي أو النزهة. وما كل تلك الأحذية المكدسة إلا مكملات مظهرية لزوم الكشخة. هذا الحذاء المكلف الذي يضغط على ميزانية الأسرة بثمنه الباهظ، لا يأتي منفرداً، بل يستلزم وجود بنطال يناسبه لونا وشكلاً ومزاجاً، كما يتطلب حزاماً ينتمي لنفس العائلة من الملبوسات العجيبة. وبالتأكيد يحتاج إلى قميص ونظارة وتي شيرت وقبعة وحقيبة كتفية وربطات ملونة لتزيين معصم اليد إلى آخر اكسسوارات الهوية الشبابية الجديدة. فالمراهق على استعداد لمجادلة والده ووالدته بدون كلل عن أهمية ومعنى الحذاء للإفصاح عن شكله الجديد. الحذاء هنا ليس سوى قمة الجبل المقلوب بالنسبة للشاب الذي قرر أن يفكر بقدميه. وهنا مكمن من مكامن الافتراق ما بين الأب وابنه. إذ لا مجال للتحاور ما بين رأس وقدم. فالشاب الذي يمثل دور الرياضي أو رجل العصابات أو الكادح أو الأنيق من خلال ما يلبسه من أحذية لا يمكنه أن يتواصل مع عقل يفكر كثيراً في آلية صرف ميزانية الأسرة وصحة أبنائه والمستقبل الذي يريد أن يكونوا عليه. الأب الذي لم يتجرأ على لبس حذاء خارج اللون الأسود أو البني أو الأبيض، لا يستسيغ الأحذية ذات اللون الأصفر الليموني أو الأحمر الفاقع أو البنفسجي الفسفوري. وبالتالي فهو لا يستوعب كل تلك المظهرية الجوفاء التي تجعل شاباً يتمثل فرق الرقص الغنائي وأزياء الهيب-هوب من خلال اقتناء حذاء. ولا يمكن أن يتخيل أن تنغرس قدمه في حذاء رياضي إلا من أجل الركض. أما المراهق فهذا الشوز، كما صاروا يطلقون عليه مؤخراً، فليس وسيلته للالتصاق بأرض الواقع بل هو أداته للتحليق في الأوهام والأحلام. [email protected]