منهج الدعوة إلى الله يقوم على الرفق واللين، والرأفة والرحمة والتفاؤل بالخير وحسن الظن بالناس، ولا يقوم على العنف والشدة، والغلظة والقسوة وسوء الظنون والتجهم والقنوط. وكثيرا ما نرى من يتصدى للدعوة لله اتخذ القسوة والعنف والغلظة والخروج عن الحكمة والجدال بالتي هي أحسن منهجا له ، ومنهج الدعوة يقوم على عكس ذلك تماما، قال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) فالدعوة بالحكمة هي: الخطاب الذي يقنع العقول بالبرهان. والموعظة الحسنة هي: الخطاب الذي يستميل العواطف، ويؤثر في القلوب رغبة ورهبة. والجدال بالتي هي أحسن هو:الحوار مع المخالف بأحسن الطرق، والأساليب التي تقربهم ولا تبعدهم. وكم في قصص الرسل عليهم السلام من عبر تبين كيف خاطبوا أقوامهم بالحسنى، قال تعالى:(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) وقال تعالى :(قالَ يَا حين دخل رجل على المأمون يعظه، فقال له: اتق الله أيها الظالم الفاجر، فقال له المأمون وكان على علم وفقه: يا هذا!! إن الله بعث من هو خير منك، إلى من هو شر مني، وأمره بالرفق. بعث موسى وهارون وهما خير منك، إلى فرعون، وهو شر مني، فقال: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) . قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) فانظر كيف بدأ خطابهم بقوله: (يا قوم) يذكرهم: أنه واحد منهم، وليس غريباً عنهم. وانظر خطاب إبراهيم لقومه وكيف تدرج معهم حين رأى في الليل كوكبا، قال هذا ربي، فلما أفل قال: لا أحب الآفلين، ثم القمر، ثم الشمس، حتى قال (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) وانظر خطابه لأبيه وترفقه به: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ) إلى أن رد أبوه بقوله: (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) وانظر إلى موسى وأخيه هارون حين بعثهما الله إلى فرعون، وأوصاهما بتليين القول له فقال تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) ولذا وجدنا موسى عليه السلام حين ذهب إلى فرعون، قال له: (فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى) بهذه الصيغة المأنوسة الرقيقة. وحين دخل رجل على المأمون يعظه، فقال له: اتق الله أيها الظالم الفاجر، فقال له المأمون وكان على علم وفقه: يا هذا!! إن الله بعث من هو خير منك، إلى من هو شر مني، وأمره بالرفق. بعث موسى وهارون وهما خير منك، إلى فرعون، وهو شر مني، فقال: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) . ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو إلى الرفق وينكر العنف ، ومن قرأ سنة الرسول الكريم القولية ممثلة في أحاديثه عليه الصلاة والسلام أو قرأ سنته العملية ممثلة في سيرته صلى الله عليه وسلم يجد أسلوب الرفق واللين واللطف في الدعوة والمعاملة شديدة الوضوح والعمق في أخلاقه عليه الصلاة والسلام. [email protected]
