المخرجة اللبنانية نادين لبكي، قالت في مقابلة إنها لا تعرف شيئا عن واقع المرأة السعودية. كيف هذا.. وهي «مخرجة»..؟.. وما قالت هذا مزحاً.. ولا عزوفاً.. ولا على سبيل المرح والطرافة.. وكأن السعودية ليست من أكبر البلدان العربية، إن لم تكن أكبرها في مجالات، ولا أكثرها فاعلية وطرحاً في الإعلام، وكأنها ليست أوسع اقتصاد عربي. وكأنها جزيرة صغيرة جنوب المالديف تكابد العزلة ويعذبها النأي، أو جغرافياً بهامية كاريبية تعاصي أعاصير برموداً وخرافياتها أو كوة في كهوف تورا بورا حيث مهاجع الآبقين، أو قرية في بتسوانا في حافة الجنوب الأفريقي.. وكأن لم يخترع تلفزيون، ولا صحافة ولا انترنت، ولا أية وسيلة للتواصل مع بحر الظلمات هذا..! هذا الأمر لا يطرح فاجعة للسعودية، لأن مخرجين كثيرين، في العالم، بحكم التزاماتهم الثقافية الإبداعية، يعرفون السعودية، ويعرفون بلداناً صغيرة ونائية، ويعرفون حتى «واقع» قبائل أفريقية منغولية وسكسونية تعدد الأزواج والزوجات وتشيع الملكيات وتصلي لرضا النجوم والكواكب وتروي حكايات عن أنفاس تنين «عربة» قبل أن يقضي بحربة مار جرجس الشهيد.. والسعودية، وواقعها، اقتصادياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً وفكرياً، وذكورياً ونسائياً، مطروحة بكثرة، وأحياناً بقسوة، في إعلام الدنيا.. وفي العام الماضي سجلت السعودية أعلى نمو، بين دول العالم، في التواصل الاجتماعي في تويتر.. إذاً.. المشكلة في الاستيعاب الثقافي والمخيخ الإبداعي لدى المخرجة وليست في السعودية. وتبدو هذه مشكلة شرائح من العرب، يتكومون في دوامة الجهل، ومع ذلك يطرحون أنفسهم، وكأنهم فهامة يؤدون وصلات طويلة من التنظير في شئون الدنيا، وكأن لا يشق لهم غبار في فتون المعرفة وبحورها ومحيطاتها.. سيكون الأمر سهلاً ويسيراً و«مهضوما» (حسب اللهجة اللبنانية) لو قالت هذا طالبة مدرسة.. أو خباز أو حداد.. أما أن تقوله مخرجة، ولبنانية، فذلك مفجع..! ولو كانت لبكي عاملة مصنع أجبان أو بائعة جائلة في مقاهي الحمراء، لما بئسنا.. لكن ذلك الكائن الجميل الوسمات، مخرجة عربية، يتحتم أن تملك بعداً رابعاً هو الإبداع وما تطلبه روح المبدع من المعرفة بسيسيولوجيا المجتمعات العربية والعالمية وتواريخها وثقافاتها وأنفاسها وتطلعاتها، وآلامها وطموحاتها وأنوارها وظلاماتها، وعبقريات الجغرافيا.. يفترض في أي إعلامي أو فنان أو مبدع في العالم أن تكون المعرفة زاده وزواده ونبضات قلبه. هل نحن الغائبون..؟.. أم أن المخرجة الهمامة، تغط في نوم عميق في كهوف ظلمات سحيقة..؟ ولم توقظها ألمع فلاشات استوديوهات الستلايت الشديدة السطوع..! ** وتر كابد بأساء الزمن.. وها هو وقت البسالة.. رمقته بخمائل رمش وعطر.. ونظرة وهنى.. تتثاقل خطاه.. وهذا الليل.. وما تشيعه الهبوب.. إذا ما ألقت النجوم النعاس مدادها في تيه البيد والغيم.. وتهيأت لرحيل.. وتهيأ لوداع.. [email protected]