«صفقة الدم»، أو «صفقة صواريخ S 300»، التي يحث «الدب» الروسي خطاه لتزويد «الشيطان» الإيراني بها، تشكل واحدة من حلقات «التهديد الفارسي المستمر» للنظامين الإقليمي والدولي، اللذين يقفان على شفير هاوية، ينذر الانحدار إليها بمخاطر جمّة. التقديرات الأولية ل «صفقة الدم» تشي بمرحلة شرسة من سباق التسلح الإقليمي، لكنها لا تلتفت إلى المضامين الحقيقية لهذه الصفقة، خاصة في ظل انفلات «أيديولوجية الشيطان» من عِقالها، وذهابها بعيداً في تصورات «غيبية مبتدعة»، يصار إلى توظيفها صراعيا. «صفقة صواريخ S 300»، التي تدخل حيز التنفيذ تزامناً مع ذروة رقصة «الشيطان» و«الدب» في شمال المشرق العربي «العراقوسوريا ولبنان» وارتداداتها في جنوبه «اليمن»، وعلى ما تتضمنه من «تحوّل مهم»، إلا أنها تظل واحدة من «حلقات الشر» التي يحيكها «النظام الكهنوتي» في طهران منذ نحو أربعة عقود. «الدب الروسي» استخدم «صفقة صواريخ S 300» في عقد «تسويات جزئية» على المستوى الدولي، وتحديداً في علاقته بالولاياتالمتحدةالأمريكية، ووظفها -أيضاً - ك «فزّاعة» على الصعيد الإقليمي، محاولاً جنى جزء من منافع «عقود التسليح»، التي ارتهنت بتعطيل «مسعى الشيطان» في تطوير قدراته الصاروخية، التي تشكل - نظرياً وعملياً - عماد «إستراتيجية الدم». في وقت مبكر من قرصنة «طبقة الكهنوت» للدولة الإيرانية، وسيطرتها على المفاعيل الوطنية، سعى الملالي إلى بناء «قدرات عسكرية» من شأنها تحقيق غاياتهم ؛ أولاً: تمكين «النظام الكهنوتي» الناشئ وتثبيت أركانه، وثانياً: «الدفاع» عن «الثورة»؛ «ثورة الخميني» وتصديرها تحقيقا ل «الغيبيات المبتدعة»، وثالثاً: استعادة «الفارسية» بدلالتها الإمبراطورية وفق فهم بائد لا يستقيم مع توقيعات التطور الإنساني على المستوى العالمي. ورغم أن «الشيطان الإيراني» ساق بناءه ل «القدرات العسكرية» ضمن «مزاعم دفاعية»، إلا أن عقيدته وأيديولوجيته انطوت على «عدائية مفرطة»، تجلّت - ابتداء - في «الحرب العراقية - الإيرانية»، ولاحقا في سلسلة من الصراعات «المباشرة» و«غير المباشرة» خاضها ضمن مسوغاته «الغيبية»، ما يعني بالضرورة أن تلك القدرات كانت ل «غايات هجومية». «المخزون الهائل» للصواريخ، الذي تراكم عبر قرابة العقود الأربعة (تحديداً منذ 1979 وحتى الآن)، لدى «دولة الشيطان» يكشف الحقيقة، ففي البداية سعت إلى تورية برنامج تطوير الصواريخ، وعمدت إلى توثيقه معرفياً وتقنياً عبر نسج منظومة من العلاقات المشبوهة مع كوريا الشمالية، التي زودتها ب «صواريخ سكود - C» ومن ثم ساعدتها في بناء مصنع كامل لإنتاج هذا الطراز من الصواريخ. وفي 1988، استخدمت إيران «صواريخ سكود - C» في ضرب المدن العراقية المأهولة بالمدنيين، ضمن ما عُرف - آنذاك - ب «حرب المدن»، وكان هذا إيذاناً بالبدء في إنتاج وتطوير وتخزين الصواريخ محلياً. لم تتردد «دولة الشيطان» -آنذاك - في التعاون مع دولة مارقة على القواعد والأعراف الدولية (مثل كوريا الشمالية)، ورغم انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية، وفقدان العراق لقوته في حرب الخليج الأولى 1991، ومن ثم غياب التهديد الحقيقي والمباشر، إلا أنها واصلت بناء وتطوير قدراتها الصاروخية غير آبهة بانتسابها إلى «نادي الدول المارقة» منتصف التسعينيات. «دولة الشيطان»، بوصفها كياناً مارقاً، أثارت «الحس الدفاعي» في الإقليم، خاصة في ظل التهديدات الصريحة لدول الجوار العربي وإصرارها على المضي في تخليق «أعداء مفترضين» ضمن صيرورة «الغيبيات المبتدعة». «الحس الدفاعي» المتصاعد أسس ل «سباق تسلح» في المنطقة، لكنه كان سباقاً بين «دولة مارقة» تسعى إلى الصراع باعتباره غاية بحد ذاته، ودون الالتفات إلى وظيفتها الرئيسية باعتبارها راعية للتنمية وطنياً، هذا من جهة، وبين منظومة دول استطاعت تحقيق مستويات مرتفعة نسبياً من التنمية، وتتطلع إلى الاستقرار والنماء باعتبارهما غاية، ممثلة في منظومة أعضاء مجلس التعاون الخليجي ومحيطها العربي. بنهجها، استطاعت «دولة الشيطان»، التي تلاقت - استراتيجيا - مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، دفع المنطقة إلى هدر جزء رئيسي ووازن من عوائدها ومداخيلها على بناء القدرات الدفاعية، بدل أن يصار إلى توظيفها في تعظيم عوائد التنمية واستدامتها. انتساب «دولة الشيطان» إلى نادي الدول المارقة، وخضوعها - نتيجة لذلك - لسلسلة من العقوبات الدولية، أبقى نظامها «الكهنوتي» المتأهب؛ عاجزا عن تحديث الترسانة العسكرية ومواكبة تطوراتها عالميا في المجالات الجوية والبرية وعلى صعيد تكنولوجيا السلاح، لتجد خيارها الرئيسي في منظومة الصواريخ، عبر مسارات تطوير الصواريخ قصيرة المدى، والبالستية متوسطة وطويلة المدى، والصواريخ الجوالة، وتلك القادرة على حمل أقمار صناعية إلى الفضاء الخارجي؛ وذلك بالتزامن مع تنامي طموحاتها بامتلاك «السلاح النووي». «إستراتيجية القدرات الصاروخية» استندت إلى معالجة العجز عن مواكبة تطوير القدرات العسكرية الأخرى عبر تكديس كميات ضخمة من الصواريخ المختلفة، واستخدامها لمهاجمة الدول بإمطارها بأكبر قدر من المقذوفات، بما يحقق التدمير اللازم، وبعيداً عن «أخلاقيات الحرب» و«نوعية المواقع المستهدفة». بمعنى آخر، أتاحت القدرات الصاروخية ل «دولة الشيطان»، حال اندلاع الصراع، قوة عسكرية ذات شأن لكنها عملياً «قوة عمياء»، تعجز عن التفريق بين المدني والعسكري، والمستشفى والقاعدة الجوية، نتيجة لأسباب تقنية، ما يجعلها أدوات لارتكاب «جرائم حرب». فعلى صعيد الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى، تشير «مجلة الدفاع الوطني» إلى محدودية قوتها العملية، لصغر حجم الرأس المتفجر وعدم الدقة، لكن «دولة الشيطان» وظفتها كسلاح لإثارة الرعب بين المدنيين عبر تزويد التنظيمات المسلحة والإرهابية الحليفة بها، ما منحها قيمة إستراتيجية في ظل وجود هذه الأذرع في عدة دول كالعراقوسوريا ولبنان واليمن. وينسحب هذا، بشكل أو بآخر، على الصواريخ الإيرانية متوسطة وبعيدة المدى، التي يمكن أن يتجاوز مداها المجال الحيوي لإيران ومحيطها إلى العديد من الدول الأوروبية، لكنها يكتنفها الغموض والتناقض، إذ لم تجر تجربتها في ظروف ميدانية تحاكي ظروف الحرب الحقيقية، وكذلك الأمر حيال مدى دقتها وأنظمة توجيهها، ومدى القدرة على إطلاق العدد الكافي منها للتعويض عن عدم توافر الدقة اللازمة، فضلا عن الشكوك حيال هندسة الرأس المتفجر ونظام التذخير والتفجير المستعمل. وبعيداً عن التقليل من شأن ترسانة إيران الصاروخية الضخمة، هناك ثمة استفهامات يثيرها المختصون، من بينها مدى قدرة «دولة الشيطان» على إدارة القوة الصاروخية في حال اندلاع الحرب وشن هجمات جوية وصاروخية رداً على أي حماقة قد ترتكبها «طبقة الكهنوت»؟، وأيضاً مدى حقيقة قدرتها على التعامل مع «ضربة استباقية»؟. وبافتراض أن بناء الترسانة الصاروخية الإيرانية جاء ك «استجابة دفاعية» وليست «هجومية»، كيف يمكن النظر إلى وصول مدى هذه الصواريخ لأوروبا؟، وهل باتت جزءا من المجال الحيوي الإيراني؟، أم أن أجندة «دولة الشيطان» تستهدف التحول إلى قوة عالمية قادرة على فرض إرادة طبقتها «الكهنوتية» المُغامِرة، وبالتالي إخضاع النظام الإقليمي والدولي؟. السياقات التقنية قد تقدم تفسيرا موضوعيا لسعي «دولة الشيطان» المحموم لإبرام «صفقة صواريخ S 300» الروسية، التي تمتاز بدقتها في إصابة الأهداف وقدرتها على اعتراض مختلف أنواع الصواريخ متوسطة المدى وغالبية أنواع الطائرات، ما يعني بالضرورة تحولاً في مكانة إيران على ميزان القوة الإقليمي والدولي. «صفقة الدم» - في أحد أوجهها - تعني معالجة ضعف الدفاعات الجوية الإيرانية الحالية، وتقدم حلولا لمشكلات فجوات التغطية والقدرة، إضافة إلى تمكينها «دولة الشيطان» من مواجهة التهديدات على ارتفاعات منخفضة وعالية، بما في ذلك القذائف الانسيابية، وإمكانية إصابة هذه الصواريخ لأهداف متعددة في آن واحد، وتتجاوز خطورتها ذلك عبر إمكانية تزويد نظام طهران لحلفائها في سوريا ولبنان واليمن بهذا الطراز. ورغم أن دلالات «صفقة الدم» تتجاوز «التهديد التقليدي» الذي تشكله «دولة الشيطان» لدول الإقليم وصولاً إلى تهديدات فعلية تبلغ أوروبا، إلا أنها أيضا تشكل تهديداً صارخاً لما وراء ذلك، فالقوة الدفاعية لدول مجلس التعاون الخليجي، التي استطاعت الحيلولة دون قيام إيران بمغامرات غير محسوبة طوال عقود، كالسيطرة على الخليج العربي ووقف انسياب صادرات النفط إلى العالم، وكذلك التحكم في حركة الملاحة الدولية، وما يشكله هذا من تهديد للنظام الاقتصادي العالمي. لا شك أن أعضاء النادي الخليجي قادرون على «الرد بكفاءة» على أي اعتداء إيراني، والتفوق على مسعى «دولة الشيطان» على المدى البعيد، إلا أن هذا لا يمنع وقوع أضرار بالغة حال نشوب الحرب، ما يعني ضرورة عدم تمرير «صفقة الدم» والعمل على برنامج خليجي عربي طموح، من شأنه الحد من أثر المخاطر والتهديدات.] كما أن النقاش الدولي يجب أن يشمل أثر الصفقة على قدرة الولاياتالمتحدةالأمريكية حيال توجيه ضربات ل «دولة الشيطان» إن خرقت ما يسمى ب «الاتفاق النووي»، إذ يشكل امتلاك هذه المنظومة الصاروخية عامل تحدي لأيّ عملية جوية، من قبيل توجيه ضربة وقائية ضد البنية التحتية النووية الإيرانية، ويدفع إلى رفع كلفتها. انتهازية «الدب الروسي» في «صفقة الدم» واضحة، وهو ما يدفع مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن إلى القول بأن تمامها «ليس أمراً محتوماً»، فقد تكون «محاولةً أخرى» لاستخدام «التهديد بنقل الأسلحة» لتحقيق أهداف أخرى، إلا أن هذه الانتهازية قد تسمح بوقوع مخاطر مرتفعة. يفتقد «الدب الروسي» للحد الأدنى من «قيم الدول المتحضرة»، ونموذجه الدموي في سوريا يؤشر بشكل صارخ عن كنه هذه الدولة، التي لا تردعها قيمة عن قتل المدنيين وطلاب الحرية، وضمن مقاربة غارقة في «الدموية» تجعلها أقرب إلى نموذج «الدولة المارقة»، وينسحب الأمر ذاته على «دولة الشيطان»، التي لم يتوان مرتزقتها في اليمن عن إطلاق صاروخ باتجاه قبلة ما يربو على مليار مسلم حول العالم، غير آبهين بمعاني جريمة التفكير بخطوة كهذه. عربيا وإسلاميا، «صفقة الدم» تحمل أبعاداً خطيرة، تستدعي العمل على مستويات عدة، سياسية وعسكرية وأمنية وإستراتيجية في آن واحد، فيما يشكل الإعلان فورا عن دمج القوات العسكرية لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي تحت قيادة واحدة الرد الأولي، ليتطور لاحقا بانضمام قوات عربية تحت هذا اللواء. إضافة إلى ذلك، تبني إستراتيجية محددة الخطوات للعمل داخل «دولة الشيطان» على إسقاطها وتحريرها من «الأجندة السوداء»، وضرب أذرعها الإرهابية، ودك رؤوس ثعابينها، في مختلف الدول العربية، بما يمنع ميليشياتها من العبث بأوطاننا. أما «الدب الروسي» فمسارات التعامل معه واضحة، وليست بعيدة عن القدرة العربية والإسلامية إن توفرت الإرادة الحقيقة لتلقينه درساً استراتيجيا، يدفع نظامه السياسي إلى إعادة حساباته وعدم المراهنة على فرقتنا، وكذلك الأمر على الصعيد الدولي إذ ثمة ضرورة لإعادة تعريف مفهوم «الحلفاء» و«الأصدقاء».