يشتهر وادي السيليكون بتعطيل الصناعات، لكن إثارة فوضى المشاكل الاجتماعية تعد أمرًا مختلفًا. حيث ان الشركات التي يقتنيها أفراد أغنياء والتي تتواجد في الأسواق ذات التنافسية المرتفعة يمكن أن تلحق الضرر وبسهولة بالحد الأدنى من خلال إنفاق الموارد على مساعدة المحتاجين - وهذا هو السبب في أن الحكومة، وليست الشركات، هي التي عادة ما تقدّم المعونة للفقراء. لكن رغم الاحتمالات السائدة، يعمل أحد المبتكرين في وادي السيليكون على تعطيل الفقر. يبدأ YCombinator (واي كومبيناتور)، الذي يُعد ربما مسارع شركات التكنولوجيا الأكثر شهرة، برنامجا تجريبيا لاختبار فكرة الدخل الأساسي العالمية. والدخل الأساسي هو ببساطة كمية معينة من المال تعطى لكل شخص بالغ. على الرغم من أن الفكرة تعاني الصعاب على الصعيد السياسي حتى الآن - حيث صوتت سويسرا يوم الإثنين برفض برنامج دخل أساسي - إلا أنها حازت على اهتمام متزايد من زوايا غير محتملة من الطيف السياسي. وفي التجربة التي أجريت، سوف يرسل (واي كومبيناتور) ما بين 1000 إلى 2000 دولار شهريا لمائة عائلة في أوكلاند وكاليفورنيا، لمدة تتراوح بين 6 أشهر إلى عام. إلى ما قالته الشركة على موقعها الإلكتروني: «نريد إجراء دراسة كبيرة طويلة الأجل للإجابة عن عدد قليل من الأسئلة المهمة: كيف تتأثر سعادة الناس ورفاهيتهم ووضعهم المالي بفكرة الدخل الأساسي، بالإضافة إلى كيف يمكن للناس قضاء وقتهم. لكن قبل القيام بهذا، سوف نبدأ بدراسة تجريبية قصيرة الأجل في أوكلاند. في هذه الدراسة التجريبية، سيكون الدخل غير مشروط، وسوف نمنحه للمشاركين خلال فترة تطبيق الدراسة، بغض النظر عن أية عوامل أخرى. وسيكون الناس قادرين على التطوع والعمل وعدم العمل والانتقال إلى بلد آخر- باستطاعتهم فِعْل أي شيء. وإذا سارت أمور الدراسة التجريبية على ما يرام، نعتزم إكمال المشروع بإجراء الدراسة الرئيسية». هذا رائع. نحن بحاجة إلى المزيد من تجارب السياسات المشابهة لهذه. وهنالك العديد من النظريات المتنافسة المتعلقة بالأمور التي يمكن أن تساعد الفقراء، لذلك فإن السبيل الوحيدة لتحديد الإجراء الناجح هنا حقا هو في تجريب الأمور. وخلافا للعديد من تجارب السياسة، ربما يتبين أن هذه الدراسة تنطوي على عدد أقل من الجوانب السلبية من غيرها من البرامج الموجودة لمساعدة الفقراء. وهذه ليست التجربة الأولى التي تتضمن تحويلات نقدية غير مشروطة مقدمة للفقراء. غالبا ما يجري خبراء الاقتصاد في التنمية تلك الأنواع من الدراسات في البلدان الفقيرة جدا، حيث يكون إجراؤها هناك أرخص بكثير. وتخلص إلى أن منح الناس المال يعد إجراء فاعلا في الحد من الفقر، والذين يحصلون على المال لا يغلب عليهم إنفاقه على أشياء مثل الكحول والتبغ. في البلدان الغنية، يتعين على خبراء الاقتصاد استخدام التجارب الطبيعية - تغييرات عشوائية في السياسات الحكومية التي تؤثر في بعض المجموعات لكن ليس في غيرها - لتقدير آثار المبالغ النقدية التي يجري تسليمها. كما أنهم توصلوا بالفعل إلى نتائج مشجعة - حيث ان إعطاء الناس المال يعمل على تحسين وضعيهم الاقتصادي والنفسي. مع ذلك، تعتبر تجربة (واي كومبيناتور) وغيرها من التجارب المشابهة محدودة أصلا، لأنها قصيرة الأجل. أدرك خبراء الاقتصاد منذ فترة طويلة أن سلوك الناس لا يتوقف فقط على الوقت الحاضر، بل على توقعاتهم للمستقبل. على سبيل المثال، افترض ميلتون فريدمان أن استهلاك الناس يعتمد ليس فقط على دخلهم الحالي، بل أيضا على الدخل الدائم، أو الأرباح المتوقع تحقيقها خلال حياتهم. أشارت الدراسات لاحقا إلى أنه على الرغم من أن هذا لا يصف كل سلوكيات الناس، إلا أنه يمثل بالفعل قسما كبيرا منه. لذلك، لنعرف حقا كيف تؤثر التحويلات النقدية على استهلاك الناس، ربما نحتاج لأن يكون البرنامج طويل الأجل. وهذا ينطبق أيضا على سلوك الناس في العمل. حيث ان الخطر الرئيسي للدخل الأساسي هو أن من شأنه تخفيض الحافز للعمل عند زيادة دخل الفقراء. وأنا شخصيا لا أقلق كثيرا إزاء هذا الخطر، لأنني أعتقد أن الخير الذي نجنيه جراء القضاء على الحرمان من شأنه أن يرجح الانخفاض في الناتج الاقتصادي الذي ربما يترتب على كون الفقراء أناسا عاطلين عن العمل. لكن إن كنت قلقا بالفعل من هذا الخطر، ربما تريد تجربة أطول أجلا من التجربة التي يكون (واي كومبيناتور) قادرا على إجرائها. بطبيعة الحال، السؤال الحقيقي هو ما إذا كان بإمكان الدخل الأساسي أن يكون في حد ذاته بديلا طويل الأجل للعمل. رغم الكثير من الاستخفاف العام بفكرة أن التكنولوجيا سوف تجعل معظم العمل البشري لا ضرورة له، يبدي كثير من الناس قلقهم من أن هذه المرة يمكن أن يكون الوضع مختلفا. القلق لا يكمن في أن البشر يمكن أن يكونوا بلا قيمة، ولكن في أن الأجور والثروة من شأنهما أن يباعدا وبشكل هائل بين الذين يمكنهم العمل جيدا مع الآلات والذين لا يمكنهم ذلك. في ذلك العالم، ربما يكون الدخل الأساسي دفاعنا الأخير ضد التفاوت الشديد. يؤمن عمالقة التكنولوجيا في وادي السيليكون بقوة في قوة إبداعهم. كما أنهم أيضا أناس يُدفع لهم للتفكير بأسلوب طويل الأجل، وللبحث عن حلول ناجعة. لذلك، ليس من المستغرب أنه ينبغي الترحيب بفكرة الدخل الأساسي- التي منذ فترة طويلة تعتبر ضربا من الخيال العلمي - من قبل البعض في مجال صناعة التكنولوجيا. الاعتراض الرئيسي على الدخل الأساسي، حتى الآن، هو التكلفة. لكن كما يذكر مات يجليسياس من موقع Vox فوكس، البرنامج ربما لايعمل على تحطيم البنك. فالكثير منه ربما يكون ببساطة تعزيزا لكثير من برامج التحويل القائمة لتصبح نظاما واحدا سهلا للتوزيع. والتكلفة المضافة ربما تزيد من حجم الحكومة، لكن لن توصلها إلى مستويات غير محتملة. بموجب حسابات يجليسياس، ربما يعمل الدخل الأساسي البالغ 10 آلاف دولار لكل شخص بالغ و6 آلاف دولار لكل طفل على رفع الإنفاق الحكومي إلى حوالي 55.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي - وهذا لا يزال أقل مما هو موجود في فرنسا أو الدانمارك. وهذا مع افتراض أن الدخل الأساسي لا يحل مكان أي برنامج آخر خاص بالرعاية الاجتماعية. من وجهة نظري، الخطر الحقيقي في الدخل الأساسي هو أن العمل نفسه ربما يلبي حاجة أساسية لدى الإنسان لتحقيق الكرامة والاعتزاز. بالتالي إذا شعر الفقراء أنهم يعيشون على كرم الأغنياء فإن هذا ربما يؤدي إلى سلوكيات غير صحية. التجارب ذات الأمد القصير لن تنبئنا بالكثير عن الخطر النفسي على الأمد الطويل. حين يضع البلد سياسته الوطنية، يجدر بنا أن نتذكر ما تستطيع هذه التجارب فعله وما لا تقدر عليه.