لم يكن سلمان بن عبدالعزيز بطبيعته وكاريزميته ذلك القائد الذي يقبل أن يحني رأسه إلى أن تنحسر العاصفة، ذلك أنه بسجاياه كرجل دولة من طراز مختلف، ومنذ بواكير شبابه ومستهل مسؤولياته، ظل أبدا الرجل والمسؤول الذي تنتهي عنده الأمور، وتنفض على يديه الخصومات، ويتوارى أمامه الجدل، فهو بحنكته وثقافته ومعارفه الموسوعية والتاريخية وحضوره الاجتماعي الطاغي، قادر على أن يحسم أي قضية بالعدل اللائق، وهو كذلك بطبيعته الحازمة مؤهل لفض أي خلاف بالانتصار للحق أينما كان، دون أي حسابات لأي ملامة. هذه هي طبيعة هذا الزعيم الفذ، لذلك ربما يكون من حسن الطالع أن يتولى يحفظه الله هو شخصيا، وبهذه الكاريزما الاستثنائية مقاليد الحكم في البلاد في هذه المرحلة الحرجة والعصيبة، التي تعاظمت فيها القلاقل، وطغى عنوان الانفلات على معظم الأراضي العربية، وتدهور النظام العربي بشكل غير مسبوق، ورفع الإرهاب رأسه كما لم يحدث من قبل، وارتفع منسوب التهديدات الأمنية بحكم الاختراق والعدوان الخارجي والإقليمي، بمعنى أن العواصف التي باتت تحيط بالوطن والأمة أصبحت أشد ضراوة، بحيث لا يمكن مقاومتها أو الصمود أمامها إلا بمعطيات خارقة، خاصة وأن هنالك من فسر أو فهم خطأ أن الرياض التي تعودت أن تمارس دبلوماسيتها الهادئة أمام مختلف القضايا بكثير من السماحة، والبعد عن الأضواء، إنما تفعل ذلك لوهن في قرارها أو لضعف في قواها، أو لخوفها من المواجهة، لذلك عندما ادلهمت الخطوب أمام البلاد، وتغول الأعداء إلى ما يهدد سلامة الوطن والمواطن، وأصبحت التدخلات تهدد هوية الأمة العربية والإسلامية، وتزامنت قوة هذه الأحداث مع وصول ملك العزم والحزم إلى سدة الحكم، برز سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- كزعيم أممي، وفي ظرف أقل من عام حول الرياض إلى عاصمة لصناعة القرار العربي والإسلامي، وأرسل للعالم أجمع أن زهد الرياض فيما مضى في تصدر المشهد ما كان إلا ترجمة لتواضع الكبار، الذين يكتفون بالفعل وبالمواقف، بعيدا عن الشعارات والضجيج الإعلامي، وتصدر الساحات بمناسبة وبدون مناسبة، بدليل أن الرياض وبقيادة زعيم الأمة، ما إن واجهت مسؤولياتها الوطنية والقومية والإسلامية، أدركت أن الأمة لا يمكن أن تسترد أنفاسها بلا قيادة استثنائية قادرة على تطبيب جراحها، ومن ثم لم شملها، وضخ مشاعر الثقة بالذات في مفاصلها، وأدركت أيضا أن الوقت ليس وقت تواضع، ولا مكان للزهد في الإمساك بخطام القيادة بأي ذريعة؛ لأنها أمام مفصل تاريخي، بات يهدد وجودها وصيرورتها. هنا رفع سلمان بن عبدالعزيز لواء القيادة، وجمع حوله الأمة طائعة مختارة، وأجبر أنظار العالم أن تتجه إلى الرياض، وما يصدر منها أمام كل حدث وقضية؛ لإيمانهم أنها باتت العاصمة التي تصنع القرار، وتُبرم فيها الحلول، ويبدأ منها وينتهي إليها مجد الأمة الجديد، وترتسم فيها معالم طريق المستقبل المشرق بالعزة والسؤدد، بحول الله للأمتين العربية والإسلامية، التي أصبحت تتسابق على تعليق أغلى وأسمى القلائد على صدر صانع هذه الأمجاد سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله-.