سؤال: عدت لقريتي بعد الابتعاث معلما في المدرسة حاولت من خلال العمل والمجتمع نشر ثقافة التطوع، لكن واجهت عددا من التحديات من أهمها عدم تقبل الناس فكرة العمل دون مقابل مع العلم بأن أهل القرية معروفون بالكرم والطيبة ومساعدة المحتاج والترابط الاجتماعي القوي، ولدينا جمعية خيرية تساعد كافة فئات المحتاجين، فما الأسلوب الأمثل لترغيب الناس في التطوع بالمفهوم الحديث؟ فليح بن صالح معلم الجواب : نثمن لك حرصك على نقل تجربتك لقريتك وهذا امر مهم في تعزيز الممارسات التطوعية في مجتمعنا، ونقل تجربة أو مفهوم من سياق جغرافي وثقافي لسياق آخر عملية دقيقة أشبه بنقل الأعضاء من جسم لجسم، فلابد أن توائم بحذر بين الفكر الجمعي والأنظمة والأعراف والتقاليد والذائقة الاجتماعية، والأهم المتطلبات والاحتياجات التي يواجهها المجتمع المحلي ومراعاة القوى الاجتماعية التي تدير حياة أهل القرية أو ما يسمون أصحاب المصلحة، ولكي نفهم لماذا واجهت صعوبات في تقبل أهل القرية المفاهيم الحديثة لابد أن نعرف أن للتطوع أشكالا مختلفة ومفاهيم متنوعة ليست حكرا على نمط أو نموذج معين يصلح تطبيقه في كافة المجتمعات. فالقرية تصنف ضمن المجتمعات الساكنة والمدينة تصنف ضمن المجتمعات المتحركة، ولكي نعرف كيف ننشر التطوع في القرية يجب ان نعرف ما هي خصائص كلا المجتمعين. فالمجتمع الساكن يقصد به المجتمع المغلق أو شبه المنعزل أو الذي يتشكل من مكون اجتماعي واحد مثل القرية أو القبيلة أو الطائفة أو الاقليات المنعزلة، لذا فمجتمع القرية - كما ذكرت - لديه قيم التطوع والتكاتف الاجتماعي، لكنه في نفس الوقت لم يستسغ التطوع بالمفهوم الحديث ... فلماذا؟ لأنه المجتمع الساكن لديه مفهوم وممارسة أقوى وأعمق من التطوع وهو الالتزام المجتمعي ( بمفهومنا الحديث: المسؤولية الاجتماعية ) وهي عقد اجتماعي يلتزم به كل أفراد المجموعة بخدمة بعضهم البعض عبر التقايض بالمنفعة وقت الحاجة والدفاع المشترك وقت الخوف والجوع وحل المشاكل الاجتماعية بالعرف الداخلي للمجتمع، وهنا لا يملك الفرد في هذا المجتمع هامشا كبيرا من الاختيار فهو ملزم اجتماعيا بخدمة الآخرين أو يعاقب بالتقليل من مكانته أو حتى نبذه. لذا من الأفضل أن تبدأ من خلال القنوات أو المجالات التي تعارف عليها أهل القرية وتطورها ومنها المدرسة والجمعية الخيرية التي ذكرتها. كما تستطيع فتح مجالات جديدة بالتعاون مع الجهات الحكومية والقيادات المحلية والعمل بمعيتهم وإشرافهم مثلا على حصر الاحتياجات والمتطلبات، ثم تصميم مبادرات تطوعية تستهدف النواحي الأقل حظا في الاهتمام بها، مع مراعاة أن تقوم بمبادرة لا توحي بتقصير الآخرين وتراعي العرف أو الذائقة الاجتماعية، بالمجتمعات شديدة الحساسية وقد تواجه صعوبات اكبر عند قطعك هذه الخطوط الرفيعة.