بداية، أطبع قبلة احترام وإجلال على جبين أخي وزميلي (في مجلس الشورى) فضيلة خطيب وإمام الحرم المكيّ الفقيه الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، عضو هيئة كبار العلماء، فقد جمعت خطبته يوم الجمعة معاني الإسلام الحنيف بحكمة وعدلّ، فيها حرص على جمع كلمة الأمة الإسلامية بعد أن أراد الأعداء المتربصون أن يفرقوها، وللأسف نجحوا فأصبحنا نتقاتل ويدمي بعضنا بعضاً، وأصبح بأسنا بيننا، فسهلنا على كل كارهٍ للإسلام مهمته. وأتت خطبة الشيخ الجليل، لتوضح لكل جاهل أو حاقد أو متربص أن مملكتنا -حفظها الله- وعاءٌ جامع، ارتكز على الإسلام، وجاهد من أجل إعلاء كلمة التوحيد. ولعل من الملائم القول، إن فضيلته كان دائماً متلمساً لآلام المسلمين، بل للآلام الإنسانية، فإن نسيت لن أنسى خطبته العصماء عندما قتلت "إسرائيل" البغيضة بلدة "قنا"، فكانت نبراساً أوقد لينير لكل من في قلبه مرض أن الإسلام دين المحبة والسلام، وأن المسلمين عابدون كما يأمرهم ربهم -سبحانه وتعالى- في تكريم ابن آدم. إذاً، فمواقفه معروفة ومشهورة ولسنوات طويلة. لا أقول هذا مدحاً، بل هذا استشهاد بخطب قيلت على رؤوس الأشهاد، من منبر أقدس بقعة على الأرض، من حيث بعث رسولنا -صلى الله عليه وسلم- برسالة التوحيد لتشع نوراً وخيراً في أرجاء المعمورة. وفيما قاله فضيلة الشيخ، قطع طريق على كل من يريد أن يخلط الأوراق، ويثير الأحقاد والنعرات بين المسلمين، ويفرق بين السعودي واليمني والعراقي والشامي والمصري، بأننا بحول الله أمة واحدة، وأن على كل مسلم أن يسعى لتقوية الأمة بجمع شتاتها وتوحيد كلمتها على المحجة البيضاء. والمؤلم حقاً، أن تستمر بعض المطبوعات السيارة هنا وهناك في نشر ما يفت في عضد وحدتنا الوطنية، وينهك لُحمتنا، رغم أن هذا الأمر لا تقره السياسة الإعلامية للمملكة، وفوق ذلك، فقد ورد الحرص للحفاظ على الوحدة الوطنية في الوثيقة العدلية الارتكازية لوطننا الغالي، وهي النظام الأساسي للحكم، فالأمر إذاً ليس إنشائياً، ولا يقال من باب تطييب الخواطر، بل هو مما يجب أن يُتبع حكماً، ليس لأحد أن يلتف حوله أو يشق عصا طاعته، فالنظام الأساسي للحكم أمر يُلزمنا جميعاً دونما استثناء. ولابد في هذا السياق من استذكار أن هذا هو ديدن ملوك مملكتنا –يحفظها الله- ابتداء بالمؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وأبنائه الملوك من بعده. وقد أوصانا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -يحفظه الله- في خطبه ولقاءاته، وهو القائد والموجه والقدوة. مما لا جدال حوله، أن خطورة بث الكراهية أن تتحول المشاعر إلى فعل، وهذا ما يعني "سبق الإصرار والترصد"، فهناك من يلحق أذى بنفس أو ممتلكات مدفوعاً بكراهيته، لدرجة أن حتى القتل والتمثيل واتلاف الممتلكات لن يشفي نار الكراهية الملتهبة في جوفه! ما الحل؟ ليس بوسع أحد الاتيان بحل، فالجريمة الناتجة عن الكره تعود لزمن قابيل وهابيل. لكن يبدو أن من وجد حلاً للكره كان بقلب الطاولة على الكراهية، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقتص ممن رماه بالحجارة في الطائف، على سبيل المثال لا الحصر. الحل إذاً هو التسامح وفي عدم افساح المجال للخطاب الكاره بأن ينتشر، وإلا فإن نار الكراهية قادرة أن تأكل الأخضر واليابس، وأن تبيد الأرواح البريئة. أما السماح للحقد المرسل لأسباب عنصرية أو طائفية فهذا علاجه ببث ثقافة التسامح وقانون يجرم التجاوز وشق الوحدة الوطنية. هناك من لا يستطيع إلا أن يفرغ ما يعتمل في صدره من ضيق إفراغًا عنيفًا، وهناك من امتلك الحكمة لامتصاص عواطفه والتحكم بها، فيلجأ للتسامح، ومن لا يستطع فعليه أن يتقدم للسلطات طلباً للاقتصاص له، لكن ليس خياراً أن يبث كراهيته العامة في الصحف المحلية السيارة، فذلك يتنافى مع كل ما تمثله بلادنا، فمصلحة البلاد في وحدتها، وليس ذلك محل جدل أو أخذ ورد. متخصص في المعلوماتية والإنتاج