يأتي مقالي هذا مباشرة بعد انتهاء حج عام 1435ه وهو أول موسم حج يمر على معالي المهندس عادل بن محمد فقيه وهو مكلف كوزير للصحة وكما بدا لكل المتابعين لحج هذا العام أن وزير الصحة أشرف وبشكل مباشر وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين على كل ما يتعلق بصحة ضيوف الرحمن من قبل وصولهم للمشاعر المقدسة وسيُشرفُ كذلك إلى أن يغادروا المملكة إلى بلادهم سالمين غانمين. وأعلن معاليه في مؤتمر صحفي سلامة حج هذا العام وخلوه من الأمراض الوبائية أو المحجرية وأن جميع حجاج بيت الله الحرام يتمتعون بصحة وعافية. أقول: إن الحمد والشكر لله رب العالمين أن سَلِمَ ضُيوف الرحمن من الأمراض والأوبئة، والشكر موصول لوزير الصحة ولجميع القطاعات الصحية التي قامت برعاية الحجيج صحياً. ولا شك أن الخطة الصحية التي طبّقتها وزارة الصحة- بداية من بلد الحاج من توعية وإلزام وأخذ للقاحات اللازمة حتى يغادر المملكة- كان لها الأثر الكبير في نجاح الخطة الصحية لهذا العام. سلامة الحجاج وخلو الحج من أمراض وبائية كان ومازال هدفا لكل وزير للصحة. وكان كل وزراء الصحة يشرفون بأنفسهم على أعمال الحج وكان هاجس الأمراض الوبائية كمرض سارس وحمى الخنازير والحمى الشوكية يقلقُهم كما كان القلق لهذا العام من مرض كورونا ومن مرض إيبولا القاتل، لكن الملفت للنظر وهو ماذكره لي مسؤولون وأطباء يعملون في موسم حج هذا العام من أن حج هذا العام تميز بعدة مزايا؛ أولها: وضوح الهدف في تعامل القوى البشرية الطبية مع جميع الحالات المرضية لاكتشاف أي حالة وبائية. وثانيها: وضوح إجراءات العمل في التعامل مع الحالات المشتبه فيها كأمراض وبائية حيث تم تدريب وتثقيف معظم العاملين الصحيين في الحج عن كيفية التعامل مع هذه الأمراض. وثالثها: الحزم الاحترازية والوقائية التي تم اتخاذها قبل الحج كان لها دور كبير في تقليل عدد الحالات المشتبه فيها. ورابعها: توفر وسرعة تأكيد تشخيص الحالات المرضية المشتبه فيها وذلك بتجهيز المختبرات والتحاليل والكواشف المخبرية الخاصة بهذه الأوبئة وتوفير الكادر الفني المدرّب. أمّا الشيء الخامس: فهو تميز التجهيز الطبي التقني للمراكز الصحية والمستشفيات في المشاعر المقدسة في موسم حج هذا العام. طبعاً ليس هذا كل شيء، فهناك العديد من النقاط الايجابية التي تم اتخاذها في حج هذا العام ولا يتسع المقام لسردها، لكن كان الواضح هو تميز خطة وزارة الصحة لحج هذا العام عن الأعوام التي سبقته. نعم، لن يخلو الأمر من سلبيات لكن وإن وجدت فإن الجهود الجبارة التي بُذلت لإنجاح الخطة الصحية كانت مُلفتة وواضحة للعيان وتُغطي أي عيوب حصلت من غير قصد. وأما الشيء الذي يجب ألا يُنسى فهو الطواقم الطبية والفنية والإدارية التي خدمت في حج هذا العام، حيث ارتفع عدد المكلفين بالعمل خلال هذا العام إلى 28800 موظف من قوى وزارة الصحة البشرية مقارنة ب 10000 في عام 1429ه، وبلغ في هذا العام عدد المختصين في المختبرات من أخصائيين وفنيين 840 مختصاً، وبلغ عدد كوادر التمريض 6825 ممرضا وممرضة مقارنة ب 4545 في عام 1429ه. وهذا الارتفاع في عدد الكوادر الطبية المتخصصة يُعدّ مؤشراً قوياً على استعداد وزارة الصحة التام لحج هذا العام، وعلى جاهزيتها لدعم كل المراكز الصحية والمستشفيات في المشاعر المقدسة. إن هذا الكادر الصحي من وزارة الصحة أو من القطاعات الصحية الأخرى والذين خدموا جموع الحجيج هم من يستحقون التكريم والشكر والثناء، إنهم ضحّوا بأوقاتهم وراحتهم وإجازاتهم ومتعتهم في العيد السعيد وتركوا أسرهم ليباشروا صحة ضيوف الرحمن ويسهروا على خدمتهم، وأقلُ ما يجبُ أن يُعمل لهمْ هو أن يتم تكريمُهم بعد انتهاء عملهم في المشاعر المقدسة وعودتهم إلى مناطقهم ومقار عملهم. مسؤولية صحة ضيوف الرحمن كانت ومازالت وستبقى في المستقبل مسؤولية وزارة الصحة، ووزير الصحة- سلمه الله- كان ومازال وسيبقى مسئولاً مسؤولية مباشرة أمام ولاة أمر هذه البلاد التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين. لكن لا يعني هذا أن تقوم وزارة الصحة بتنفيذ خطط الحج و تتحمّل أعباء التنفيذ منفردة، بل قد يكون في إعطاء بعض هذه المسؤولية التنفيذية- لغير جهاز الوزارة- رفع من مستوى الخدمات الصحية المقدمة لضيوف الرحمن وزيادة من فعاليتها وتجويد لخدماتها في الحج من غير أن تتأثر الخدمات الصحية في باقي المناطق الصحية في المملكة التي يُسحب منها ما يقارب 15% من قواها البشرية لموسم الحج. و يبقى على وزارة الصحة أن تقوم بدور رقابي وإشرافي في الحج. لماذا لا نبدأ من العام القادم في إعطاء جميع المراكز الصحية الأولوية الموجودة في المشاعر المقدسة للقطاع الصحي الخاص، ونُقيّم التجربة، ومن ثَم نتوسع في إعطاء الخدمات الصحية للقطاع الخاص وبالتدريج. شكراً لقادة مملكتنا الغالية الذين أشرفوا على حج هذا العام وشكراً لكل من ساهم في خدمة ضيوف الرحمن. استشاري كلى ومتخصص في الإدارة الصحية