قبل سنوات كتبت مقالا عن بعض اللحظات التي تسعدنا. وكانت الفكرة مستوحاة من كتاب ما نسيت اسمه ومؤلفته الأمريكية. ما يهمني هو القناعة بفكرة أن السعادة في حياتنا هي مجموعة لحظات نعيشها مهما كانت الظروف المحيطة بنا. وكلما توقفنا عند تلك اللحظات وعشناها جيدا بكل تفاصيلها استشعرنا لذة الحياة التي يضيق بعضنا على أنفسهم حين يتوهمون أنها لا تسعدهم إلا إذا توفر لهم كل ما يحلمون به ويتمنونه. إن إحساسنا بتلك اللحظات التي قد لا يستغرق أحيانا سوى ثوان معدودة ولكنها كفيلة بزرع شعور جميل بالرضا والتلذذ بما هو متاح حتى وإن كنت وسط أمواج متلاطمة من الأسى أو الظروف الضاغطة التي عليك أن تحارب أثرها بمثل هذه اللحظات. لمة حلوة مع قلوب أنت تثق بحبها لك مهما كانت بسيطة ستشعرك بأن الحياة جميلة بالمشاعر التي تحفك لا بغيرها، فالمشاعر الصادقة قادرة على امتصاص كل ضيق وألم. أن تتبادل الابتسامة بود مع عابر ما انزلاق نظراتك على سطح البحر بهدوء بعيدا عن كل الأفكار وإنما للاستمتاع بجماله فقط حين تنتشلك لحظة امتنان من غمرة انغماسك في العمل أو غيره، امتنان لخالقك أو لأحد من خلقه على أمر ما، فنقول الحمد لله لحظة يسري فيها مذاق تتلذذ به.. تقول ابنتي إنها لحظة التلذذ بطعم (الحبة السوداء) المنثورة في اللقيمات لحظة تتبادل فيها الأدوار مع أبنائك فيأخذون هم دورك فيشتري لك أحدهم (السلاش) مثلا حين تقرر أن تسقط كل الحواجز الوهمية وتنفذ ما تريده وتحبه رائحة البخور وهي تفوح في الأرجاء القريبة كأنها تدغدغ مشاعرك قبل أنفك تلك اللحظة التي تغمرك فيها السعادة حين تقدم خدمة أو عطاء لأحدهم حين توقن أن كل ما هو حولك مسخر من الله لك أنت وحدك فقط انغماس اقدامك في التراب في البر أو البحر قربك من الشجر المبلل بالماء وامتداد رائحته إلى قلبك لحظة الانجاز لأي شيء أنت بحاجة إليه مهما كان بسيطا سيجلب السعادة لقلبك حين تنتقل إلى روحك نداوة ورق الورد الذي قدم لك بكل حب معانقة كفك لكوب من القهوة الساخنة واستمتاعك به حتى آخر رشفة التنقل بين صور فوتوغرافية قديمة لحظة تنظر فيها لنفسك وقد اكتملت أناقتك برضاك عن نفسك حين تصطاد نفسك وهي تفكر بالخير والحب والأمنيات الجميلة لغيرك وحتى للغرباء الاحتفال ببقايا الطفولة فيك بأي طريقة منفردا كنت أو مع الأطفال أو الكبار تصفح كتاب جديد واستنشاق رائحة الكتاب والأفكار التي تعلن عن نفسها في سطور الغلاف الخلفي حين تستيقظ منزعجا خوفا من كونك تأخرت ثم تكتشف أن الوقت مازال مبكرا فتستمتع بالاستعداد ليومك بهدوء حين تنثر (صباح الخير) على أحبابك ومعارفك مع اطلالة يوم جديد. وللمفاجآت الحلوة معزوفة رائعة على أرواحنا يبهرنا جمالها.