على نحو غير إنساني، وبشكل لا يتسق والقيمة الحضارية للإسلام وتعاملاته، أصدرت "داعش" قرارات تصب في تخريب النسيج الوطني العراقي، عندما طالبت مسيحيي العراق العرب، بترك بلادهم وبيوتهم، في تطبيق مجحف للإسلام وبشكل يشوه الصورة، إذ يبدو أن جزءا رئيسا من أهداف "داعش" هو تكريه العالم بالإسلام، ووصمه بالمتخلف وغير المتسامح، بعدما أصبحت "داعش" ظاهرة نقيضة للتنوع والتعدد الإسلامي، في توقيت تؤكد فيه دراسات غربية أن هناك خشية غربية من انتشار الإسلام في صفوف المتعلمين، في وقت تتراجع القيم الدينية الأوروبية والغربية، التي استدعت قيم العصبيات الفاشية خوفا على هذه المجتمعات من الاختراق الإسلامي، وهذا ما أكدته وثيقة لحلف الناتو صدرت عام 1994 تنبأت بأن تعيش أوروبا صراعا على الهوية الدينية عام 2025. ولهذا فان وجود مثل هذه التنظيمات والحركات التي تتحدث باسم الدين وتختطفه إلى جانبها، في رؤية ضحلة ومسطحة، فإنما هي نتاج لتفكير استخباراتي واستراتيجي، يرى بان اضعاف العرب والعالم الإسلامي لا يتم إلا باضعافه من الداخل، خاصة وأن أمريكا وعقب مغامراتها العسكرية الفاشلة في فترة حكم جورج بوش، قد عقدت العديد من المؤتمرات الداخلية، والتي اتخذت قرارا بالتراجع عن التدخل المباشر لصالح التدخل غير المباشر، وأكدت أن ادواتها في هذا الاختراق ستركز على الاستخبارات والعملاء، ومؤسسات المجتمع المدني، والتنظيمات المتطرفة التي تهدف شق الاسلام وتحقيق الصدام الداخلي بين جناحيه، والطرق أسفل الجدار الاثني والقومي والديني. وعليه، فإن المراقب لسلوك تنظيم داعش يتأكد ان الدولة والاستقرار لا يقام على العنف والقتل والدمار وجز الرؤوس، قدر اقامته على العدالة والحقوق واحترام الآخر، لا بل إن التقارير تشير الى وجود ارتباط كبير وسري بين داعش وشركة بلاك ووتر الامريكية، منذ ان عملت في العراق، وان المهمة الرئيسة لداعش هي السيطرة على حقول النفط في سوريا (دير الزور، ومصفى البيجي) وعدم تعريضها المنشآت البترولية في كركوك للخطر، وعدم نسف خطوطها الناقلة، في توقيت مغاير حيث كانت اولى شحنات النفط العراقي من كركوك بعد السيطرة الكردية وعبر ميناء جيهان التركي الى عسقلان في اسرائيل. مغادرة المسيحيين طلبت داعش من مسيحيي الموصل المغادرة، أو دفع الجزية، أو الدخول في الإسلام، خلافا لمقاصد الاسلام في قوله تعالى: «لكم دينكم ولي دين»، فإن الرغبة في دعوتهم للإسلام لا تتم بهذه الطريقة، وإنما في بيان محاسن الإسلام وأسلوب الحكم والتقاضي وكفالة الحقوق لغير المسلمين، وان استأمن غير المسلم، قد يكون ذلك دافعا له للتفكير في الاسلام، وفي وقائع تاريخية إسلامية تؤكد انه وبعد أن اقام المسلمون حكما اسلاميا في الاندلس، وكانت هناك ديانات أخرى تنعم بالحرية وبالحقوق، رفضت البقاء في الأندلس بعد سقوطها وفضلوا الذهاب مع المسلمين في بلاد المغرب العربي، وذلك لعدلهم ولكفالة الحقوق بينهم. ولهذا فإن اللجوء الى مزاحمة الناس في أرزاقهم وفي مأمنهم، وفي ظروف ليست مستقرة بعد حتى لداعش، وفي استعجال واضح على تطبيق الشريعة، ان في ذلك اساءة للإسلام، ومخالفة بالأسوة الحسنة، التي سطرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بدء الدعوة الاسلامية القائمة على التعريف بالاسلام والتربية والاعداد، وإقامة الدولة واشاعة العدالة، وبعدها «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي»، وان ما تقوم به داعش هو مخالفة للأوامر الربانية ومقاصدها من وجود المخالفين في الدين، مصداقا لقوله تعالى: «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» «وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله والله يجعل الرجس على الذين لا يعقلون» «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين» وفي إطار استنكار هذه الأفعال، فقد دان مستشار مفتي الجمهورية المصرية الدكتور إبراهيم نجم ما تقوم به «داعش» من تهجير للمسيحيين في العراق، وإجبارهم على اعتناق الإسلام والتهجير ودفع الجزية، مؤكدا أن أفعال «داعش» ما هي الا تشويه بصورة الإسلام، وايذاء بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وفي محاضرة ألقاها أمام جمع كبير من أتباع الديانات في المركز الإسلامي في ولاية نيويورك قال: إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال (من آذى ذميًّا فقد آذاني)، و(من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا خصيمه يوم القيامة)، وشدد على أن دماء غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام كحرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم سواء بسواء، مبينا بأن الإسلام يكفل للجميع حرية الاعتقاد ويُحرِّم إجبار الآخرين على ترك عقيدتهم أو إدخالهم في الإسلام عنوة موضحًا أنهم بذلك قد خالفوا أمر الله -سبحانه وتعالى- الذي أمرنا به في قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وقوله تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). ختان مليون امرأة يبدو الرقم مبالغا به، والهدف اظهار المعالم السيئة لداعش، ولولا ان هذه الدعوة قد صدرت ببيان رسمي، لكانت مستغربة جدا، لكن وبعد تأكيدها تكون الطامة الكبرى، حيث اصدرت داعش قرارا تجبر فيه النساء على الختان في المناطق التي يبسطون سيطرتهم عليها، معتدين بنصوص من التراث الاسلامي توجب الختان، جاءت قرارات داعش تلك بعد ان قررت في توقيت سابق رجم النساء بحجة ممارستهن للرذيلة، في فهم قاصر لتطبيقات الشريعة، حيث من هذه الظواهر تنتشر في ظل غياب الأمن والاستقرار والفقر والبطالة وغياب العدالة، والضغوط النفسية على المواطنين، فكيف بمجتمع مثل المجتمع العراقي يعيش منذ الثمانينيات على وقع الحروب والقتل والموت بشكل يومي، كما ان هذا يتنافى وطبيعة مناطق الموصل والمخافظات ذات الاغلبية القبيلية والعشائرية، وهي التي تعتبر الشرف الشخصي مرتبطا بالوطني أيضا ( الارض والعرض) وهو ما يؤكد بان داعش تحاول السيطرة النفسية على المجتمع عبر ارهابه، واعطاء صورة متخلفة عن الاسلام. ولم يتوقف الامر على ختان النساء، ورجمهن ايضا، بل صدرت الأوامر لتحطيم الدشوش، واقفال صوالين الحلاقة ممن لا يلتزام بقص الشعر بطريقة كلاسيكية، وطالت الأوامر ملاحقة الصبيان ممن اشيع عنهم افطارهم غير المجاهر في رمضان وجلدهم، كذلك منع المحلات النسائية من عرض الملابس النسائية (المانيكان) بصور فاضحة حسب رأيهم، وقد شمل هذا القرار النساء والذكور بحجة أنّ التماثيل التي تصور هيئة الإنسان بشكل كامل حرام، وأنّ عارضات الملابس فيها تشبّه بالأصنام، وصولا لحالات الجلد والصلب، وقطع الايدي وجز الرؤوس لأتفه الأسباب. وفي مدينة الرقة السورية اسست داعش كتيبة الخنساء النسائية وتقودها مجندة تونسية، تقوم بمهمة التفتيش على النساء والتأكد من صحة الاسماء، ومناسبة الزي مع تعليمات داعش،حيث تقوم هذه الكتيبة باعتقال النساء وضربهن بالعصي حال مخالفتهن اللباس أو وضع شيء من الزينة تحت النقاب، وضرب النساء على كعبهن ان ظهرت اطرافهن حال الصعود او الهبوط من أي مركبة او طريق او الدرج، او كان البنطال الداخلي غير فضفاض، كما ان مهمة هذه الكتيبة البحث عن زوجات للدواعش، وذلك باخبارهن عن اسماء العوائل والاسر، وان كثيرا من الاسر تضطر للموافقة خشية من العقاب، وان كثيرا من الزيجات المفروضة انتهت بنتائج مأساوية لهذه الاسر كالانتحار او الهرب او القتل. أما حليقو اللحى فقد جلدوا، وتم تنبيههم الى ضرورة تربية اللحى، والتأكد من قيامهم بذلك، وفي حال المخالفة، تكون العقوبة اشد من السابق، كما منع التدخين والارجيلة، ومنع الاتجار بالدخان، اضافة لتطبيقها الحدود دون وجود شكل مؤسساتي وحقوقي لهذا الجانب، والملفت للانتباه ان احدى القرى السورية والتي تربي الأغنام والأبقار طلبت اليهم داعش تغطية اثداء الأبقار على اعتبار انها فتنة وانذرتهم ثلاثة ايام او مصادرتها منهم. داعش السورية ويروي بعض الأهالي من فر من سوريا وتحديدا دير الزور والرقة، بأن الاجراءات التي تتبعها داعش، هي كمن يرغب أن يجعل الناس تتمنى سيطرة الاسد واستعادة السلطة بدلا من الوقوع تحت حكم داعش، انهم يكرهون الناس بإجراءاتهم المخالفة للدين، كي يؤكدوا للناس بان حكم الاسد أرحم، طلوا جدران المقرات والمباني الحكومية بالأسود؛ لتأكيد داعش وتعميق كراهية الناس لهم، انهم يفعلون ذلك، ومن يفعل ذلك لا يشيد دولة ولا يقيم سلطة او خلافة، ان هدفهم هو دفع الناس الى احضان حكومة المالكي وحكومة الاسد، ويروي احد الاصدقاء (إعلامي) بأن عليك ان تدعي للخليفة ان اشتريت أي سلعة، وان تلفظت بداعش عوقبت بمائة جلدة. النموذج السلبي في تقرير داخلي لوزراء الداخلية في دول الاتحاد الاوروبي، يشير بوضوح الى ان داعش تنظيم مخترق من سورياوالعراق، وان جهات اقليمية مستفيدة من وجوده، في اشارة الى تركيا وايران وقطر، فلكل هذه الدول مصالح، فها هو الاسد رئيسا لولاية ثالثة وداعش تحارب جبهة النصرة وتكفرها وتحارب الجيش الحر وتقوم بتكفيرة، وداعش العراق تعتقل اعضاء في الحكومة العراقية السابقة ويتم بيعهم لأطراف دولية، وتعتقل بعض زعماء العشائر العربية المخالفة لحكم نوري المالكي، والمالكي يعلن عن دعم بعض العشائر العراقية بحجة مواجهة داعش، بينما الطيران الايراني والتركي يقوم بقصف بعض المواقع في المناطق السنية دون ان تصاب داعش بأي أذى. ولعل تقصدهم المسيحيين على الخصوص هو بهدف تحقيق الاثارة الاعلامية لدى الدول الغربية، ودفعها لإعادة النظر في اتخاذ أي اجراءات ضد حكومة الأسد وحكومة نوري المالكي، وكانت داعش قد وضعت شروطا على المسيحيين للعيش في الرقة، حمل اسم (عهد الأمان لنصارى الرقة مقابل التزامهم بأحكام الذمة)، مقابل أن (لا يبنوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا صومعة راهب، ولا يجددوا ما خرب منها، وأن لا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في طرق المسلمين أو أسواقهم، وألا يستعملوا مكبرات الصوت عند أداء صلواتهم وكذلك سائر عباداتهم، والامتناع عن القيام بأعمال عدوانية تجاه (الدولة الإسلامية)، كإيواء الجواسيس والمطلوبين قضائيا لها، أو من تثبت حرابته من النصارى أو من غيرهم، أو مساعدتهم في التخفي أو التنقل أو غير ذلك، وإذا علموا بوجود تآمر على المسلمين فعليهم التبليغ عن ذلك). عناصر من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام