طفلة جميلة، وفي نفس الوقت تحمل في سنها التي لا تتجاوز التاسعة معاني الأنوثة ورقتها، بقامة متوسطة منكسرة كأنها غصن الشجرة، يصعب عليها أن تقف مستقيمة، بل تقف منثنية، يتكسر الشعر المفعم بالسواد على كتفيها، يلمع لمعة السمراوات، ويفيض سحر العينين الناعستين برمش أبى إلا أن يرف بشكل يوحي بتحية تغازل أعين المارة، وتجبر أعناقهم على تحيتها، في التفاتة، ولو على الأقل للقطة خاطفة.. في وقفتها مع ذلك السائق الأسيوي المفتول العضلات صاحب القسمات القاسية، التي تذكرك بأفلام بروسلي القديمة ذات اللونين الأبيض والأسود. لا أدري كيف سمح الأب لذلك السائق أن يتولى شؤون العائلة، ويمسك بزمام المبادرة، ليصحب الصغار إلى كل مكان، ويقوم بانتظار ربة المنزل في السيارة حال نزولها لقضاء الحاجيات، وقد حدثني بعض من رآه ينزوي في موقف مظلم بالسيارة ومعه الصغيرات، وكأنه واحد منهم، يضحكون معه. خروجها من المنزل، ووقوفها الطويل والمضني والمتعب لساقيها الظاهرين للعيان من أسفل التنورة الحمراء القصيرة، وهي خارجة من غرفة السائق، أوهي ذاهبة بالطعام له، أو في رجوعها بالأواني الفارغة، وخروجها المتكرر لمناداته في منظر لا يسر، إلا الأعين الفوضوية والنفوس المريضة. المشكلة التي تظهر هنا وتطل برأسها هي ما أشاهده من تكسير في جدران البيوت من الخارج، لعمل غرفة جديدة للسائق، لاستقبال رب البيت الجديد، وفي تسابق بين البيوت، وإكمال للبرستيج، من وجود للسائق، حتى في ظل عدم الحاجة له. ويجتمع السائقون في أوقات كثيرة، ليس عندهم ما يعملونه، ويبقون لتمضية الوقت في الدردشة والأحاديث الجانبية على قارعة الطريق، والبحلقة في النساء، مما يزعج المارة وأصحاب البيوت، الذين يخشون على بيوتهم من هؤلاء، الذين يطلعون على أسرار البيوت، من هذا؟ متى يخرج؟ متى يرجع؟ من هذه؟ من يدخل عليها؟ من يخرج منها؟ هناك سرقات تحدث في الأحياء، لا أظن أن سائقي البيوت بمنأى عن التهمة، ولا أظنهم بهذا القدر من الأمانة، حتى انهم يستبعدون من الاتهامات التي توجه.. تقول إحدى الفتيات أنها عانت كثيرا من تحرشات السائق بها، وشق عليها جدا أن تخبر والدها بما يفعله السائق، وبعد ألم وبكاء تكلمت الصغيرة الجميلة للأم، ويا لهول الجواب الغبي من الأم، التي قالت (لا يكون يدري أبوش ويمشي السوق، ولا يجيب لنا سواقا بدلا عنه).. وأخرى تذكر أن السائق كان يوفر لها بعض الأفلام ، وهو الذي يقوم بجلبها لها. أتساءل هل البطر والغنى يصلان بالناس إلى حد التساهل بأعراضهم؟! طيب.. اتركونا من سالفة الأعراض، حتى لا يقول البعض ان كاتب الموضوع معقد، أو يعاني مشاكل نفسية، فيذكر نجيب الزامل: انه رأى ذلك السائق الأجنبي لما تلكّأ الصغير في النزول من السيارة صباحا للمدرسة وجه له السائق صفعة قوية على وجهه، ورمى بالطفل من السيارة، وولى والطفل الصغير يبكي على رصيف المدرسة، فبأموالنا - يا سادة يا كرام - يصفعون أبناءنا وبرضانا. @@ عبد المنعم الحسين