كان ياما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان عاشت في أحد الامصار اميرة جميلة خلوقة وضاحة الجبين باسمة الثغر، تاجها الذي يزين رأسها زوج محب كريم وصولجانها الذي تشير به الى رعيتها هم صغارها الذين احسنت رعايتهم وتهذيبهم، فاحتوتهم بامواج متدفقة من الحب والحنان وغمرت كل من يحيط بها ويعرفها من الناس بأسمى المشاعر الانسانية من الود والتقدير فتعلقت بها القلوب لما لمسوه منها من روح شفافة وخلق سام.. فأمروها علي قلوبهم قبل ان تؤتمر علي عشها الصغير.. وفي غفلة من الزمن وبلحظات خاطفة شاءت إرادة المولى ولا راد لقضائه ان ينزل قدره الجلل ومصابه الأليم على اميرة القلوب في نفس اللحظات التي كانت فيها تعتصر الألم لتقدم للحياة نفسا جديدة وماهي الا ثوان لاتزيد على طرفة عين وانتباهتها حتى كان الله قد اتم قضاءه وسلبتها ارادته صحتها وعافيتها وقوتها وعنفوانها ومعها ابتسامة ثغرها ولمعة عينيها .. فانطفأ البريق وماتت الابتسامة على الشفاه.. وانتهت الحكاية. ولكن نهايتها كانت البداية بالنسبة لنا حيث كنا ثلاثة كأضلاع المثلث المتساوي الاضلاع وبالتالي متطابق الزوايا.. اهدافنا واحدة، آلامنا مشتركة، فرحتنا متبادلة، وإذا اشتكى ضلع تداعى له باقي الضلعين بالرعاية والحنان، واذا ابتهج آخر وجد من يشاركه فرحته وابتهاجه.. وعلى هذا المنوال سارت بنا الحياة نغترف منها بسخاء وننهل من معينها ما يطفىء ظمأنا، ولكن هطول الغيث لابد وان يصاحبه غالبا برق خاطف ورعد صاعق اصاب مثلثا في مقتل فانكسر ضلع المثلث ليسقط الباقي ويتهشم. سبحان مغير الأحوال الذي اراد ان يذيقنا عذابة عسى ان يهبنا رحمته بدعائنا وتضرعنا.. وكان ألما اعتصرنا عصرا حتى انعقد اللسان عن الكلام الا بالدعاء، والمآقي تحجرت بها الدموع، والقلب يهتف رحمتك يا أرحم الراحمين.. كثر اللغط حول مصابك يا الغالية وكثر معه التألم لما وقع عليك (مسكينة- ما تستاهل- يا حرام) وغيرها من عبارات الشفقة والرثاء.. ومعها مصمصت الشفاه وتساءلت الألسن كيف حدث ما حدث؟ وغلطة من؟ وعلى من تقع المسئولية؟ يجب حمل السيوف وقطع الرقاب لمن تسبب به..وفي غمرة هذه المشاعر الثائرة نسوا أن هناك إلها كريما هو من يسبب الأسباب ويوقع البلاء ويكشف الضر ويفرج الكرب وانه ( ما أصباك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك) لك وحدك يا الله نشكو همنا وغمنا ولك وحدك نرسل دعاءنا ولك وحدك تهتف قلوبنا بحمدك وشكرك والذي لا يحمد على مكروه سواه. لله درك يا منيرة الغالية وانت تنيرين القلب بنور سماحتك لله درك وقد احبك الله في الدنيا واحبب فيك خلقه، واحب لك آخرتك فضاعف لك فيها الثواب ووهبك الدرجة العلى من الجنة والتي وعد الله بها عبيده المبتلين وعسى ان يكون لنا مثل حظك من ثوابه ومغفرته التي بشر بها عباده الصابرين الحامدين الشاكرين. وانت الآن بين يدي الكريم ادعوه معنا يا من عرفك واحبك، وادعوه معنا يا من لم يعرفك وان كان ليثق انها تستحق منه الدعاء. اللهم ادفع عن منيرة بلاءك ورد عنها قضاءك واكشف ضرها واجل همها وفرج كربها وارفع عنها ما أنزلته عليها. اللهم برحمتك نستغيث فأغثها وبعظمتك نتسجير فاجرها واصلح لها شأنها كله ولا تكلها الى احد من الناس ولا الى نفسها طرفة عين، وتقبل منا يا حي يا قيوم دعاءنا لها ولجميع المؤمنين.. سبحانك انك انت السميع العليم. نوال العليان