أمير المنطقة الشرقية في ديوانية الكتاب    نائب أمير مكة: "لاحج بلا تصريح" وستطبق الأنظمة بكل حزم    أمير الباحة يناقش المشاريع التنموية والخدمات المقدمة في محافظة العقيق    المملكة تتصدر اكتتابات الشرق الأوسط المنفذة والمتوقعة في 2024    تزايد الهجمات السيبرانية في ألمانيا والخسائر 1ر16 مليار يورو    الأسهم الآسيوية ترتفع لأعلى مستوياتها في 15 شهراً مع تحسن اقتصاد الصين    الصحة النباتية    تعطل مكائن الصرّاف الآلي واحتجازها للأموال    تراث يمتد عبر العصور.. دروب الحج القديمة.. مسارات للثقافة والمعرفة    قلق أممي إزاء عمليات التهجير القسري والإخلاء من غزة    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    يدخل"غينيس" للمرة الثانية بالقفز من طائرة    الكويت في الصدارة مجدداً    سرابُ النصرِ وشبحُ الهزيمة    وزير الخارجية يصل إلى المنامة للمشاركة في الاجتماع التحضيري ل «قمّة البحرين»    في لقاء مؤجل من الجولة 34 من الدوري الإنجليزي.. مانشستر سيتي يواجه توتنهام لاستعادة الصدارة    ضمن الجولة 32 من دوري" يلو".. العروبة في اختبار البكيرية.. والعربي يواجه الترجي    فابريزيو رومانو يؤكد: 3صفقات عالمية على أعتاب دوري روشن السعودي    بطلتنا «هتان السيف».. نحتاج أكثر من kick off    في الإعادة إفادة..    سيتي لسحب البساط من تحت قدمي أرسنال    وزير التعليم يزور مدرسة معلمة متوفاة    تجديد جواز السفر إلكترونيًا لمدد الصلاحية من (6) أشهر وأقل    يستيقظ ويخرج من التابوت" قبل دفنه"    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى السبت المقبل    الرزنامة الدراسية !    ماهية الظن    فخامة الزي السعودي    استعراض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام    الكويت.. العملاق النائم ونمور الخليج    آنية لا تُكسر    تركي السديري .. ذكرى إنسانية    «Mbc Talent» تحصد جوائز أفلام السعودية وتقدّم المنح    الصحة.. نعمة نغفل عن شكرها    دور الوقف في التنمية المستدامة    الماء البارد    إزالة انسدادات شريانية بتقنية "القلب النابض"    «سعود الطبية» تنهي معاناة ثلاثينية من ورم نادر    حكاية التطّعيم ضد الحصبة    18 مرفقاً صحياً لخدمة الحجاج في المدينة    فهد بن سلطان: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    أمير المدينة يرعى تخريج طلاب جامعة طيبة.. ويتفقد مركز استقبال الحجاج بالهجرة    محافظ الخرج يستقبل رئيس جامعة سطام    الدكتوراه الفخرية العيسى    النزوح الفلسطيني يرتفع مع توغل إسرائيل في رفح    الحضور شرط تجديد الجواز قبل 6 أشهر من انتهائه    القنصل العام في لوس أنجلوس والملحق الثقافي في أمريكا يزوران الطلبة المشاركين في آيسف    17.5 ألف قرار إداري ل"الجوازات" في شوال    الفريق اليحيى: تدشين صالة مبادرة "طريق مكة" بمطار جناح الدولي في باكستان لإنهاء إجراءات المستفيدين بيسر وسهولة    أمير جازان يرعى مراسم اتفاقية تعاون بين مديرية السجون وجمعية التوعية بأضرار المخدرات بالمنطقة    ناشئو الطائرة للآسيوية بالعلامة الكاملة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    وفاة أول رجل خضع لعملية زراعة كلية من خنزير    النفط والذهب يتراجعان    تحت رعاية ولي العهد«سدايا» تنظم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي سبتمبر المقبل    السعودية.. وخدمة ضيوف الرحمن    سيدات الأهلي يحصدن كأس الاتحاد لرفع الأثقال    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عائد من أبيه.. نصوص نافذة في شعريتها
تجتهد المجموعة في بناء موقف ينتصر للطبيعة قبالة الهجمة المسعورة للاستهلاكي
نشر في الوطن يوم 28 - 02 - 2015

يكتب صالح زمانان نصوص مجموعته الشعرية "عائد من أبيه" (نشر مشترك: دار "مسكيلياني" التونسية، دار "طوى" السعودية) بتلك البساطة التي لا تقع في المباشرة الفجة ولا تهوي إلى الابتذال والتفاهة. كتابة قريبة دانية تمس القلب وتصافح الوجدان. وربما يكون نص "ضحكة في الحي الفقير" دالا على الكتابة البسيطة المتخففة لكنها النافذة في شعريتها، ولا يحتاج القارئ إلى مرشحات تصله إلى الأثر وإلى المعنى، ينزلان مثل ظل أو نسمة: "مفجوعة/ مضطربة يا صديق/ قادمة من جهات مجهولة/ يهزها الخوف/ وتقاومها الحواس النافرة/ تتلعثم/ كفتاة لطمها الطمث لأول مرة// لكنها تحدث/ كما لو كانت تفك أسرى العالم/ إنها.../ ضحكة عابرة/ في الحي الفقير".
رغم أن الذات حاضرة في نص زمانان إلا أنها لا تطغى. ثمة مسافة لأصوات أخرى تسكن الكاتب قادمة من المسرح، بيته المكين والأمين حيث الفسحة مشرعة يغمرها التأمل الذي يبقي الذات منتبهة لالتقاط الحركة والدور وكذلك المفارقة التي تقدح زناد الشعرية من المرايا التي تنصب لتفعل كل واحدة منها انعكاسا، يتضافر مع أشباهه لإحداث الأثر الذي هجس به عنوان النص، أحيانا، على النحو الوارد في "حزن القطارات" الذي يتألف من أربعة مقاطع، مرايا تتأدى لقراءة الحزن في شكل أشمل، وكأن "حزن القطارات" مجاز يتوسله زمانان للإبانة عن حزن قديم ممتد يتنقل من الأشياء والجمادات إلى ما يحيط بها، إلى الإنسان المقهور ترجع صرخاته دمدمة سكة الحديد حتى باتت القطارات عنوانا لمطحنة أزلية يعلوها دخان الحزن. والأمر نفسه نجده في نص عن الفزاعة التي يستخلص منها في مشهدين متناظرين "حكاية الصليب" التي تنطوي على فعلة بشرية يقع عبؤها على الفزاعة نفسها "الفزاعة هربت من حقول العنب/ خلعت رداءها المخيف/ ثم أسندت ظهرها القتيل الأعزل/ في الأرض اليباب القاحلة/ صارت حقله السماوي/ صارت.. صليبا".
وتجتهد المجموعة في بناء موقف، يتواتر في أكثر من نص، ينتصر للطبيعة قبالة الهجمة المسعورة بطابعها الاستهلاكي الذي لا يوفر وعينه محسورة عن الغد، حيث يتحول إنسان عصر العولمة إلى شدق مفتوح لا يرتوي ولا يقنعه الالتهام ولا يقفه نابه الضاري عند حد، فآل جسده معرضا للدفن. ما يلبسه وما ينتعله وما يقيم فيه.. كله جاء على حساب الحيوانات النادرة والتي بسبيلها إلى الانقراض وعلى حساب الغابات المجثوثة وهي في طريق التصحر. يراقب الشاعر ما يحدث، فيتسلل إليه المرض: "لست على ما يرام/ أنا مقبرة القتلى".. "سيقول له أحدهم/ هل أعجبتك الموسيقى؟/ الإيقاع الراقص يأتي من هذا المشدود/ إنه الطبل، يسمى الطبل// ووحده مكروبا سيهجس:/ لا... هذا ليس طبلا/ إنه ما تبقى من جثة البقرة/ وأنتم تضربون جلد الموتى".
.. هذا التعلق بالطبيعة والانشداد إليها، نلمسه لمسا عندما يختار زمانان مشهد هجرة الجواميس الأفريقية ورحلتها الشاقة من موطنها الذي حل به القحط والظمأ إلى موطن آخر يزخر بالماء والعشب، وما يحدث في هذه الهجرة من تساقط لبعض أفراد القطيع غير أن النهاية تفضي إلى الحياة واستئنافها بدرس التغيير والتجدد وإن يكن الثمن فادحا، وذلك ليكون المشهد ودلالته مجالا تعبيريا عن الكتابة التي يذبلها التكرار والاستعمال وتحتاج إلى هجرة مماثلة تأتي بالنضارة للنص الشعري: "سيقول القطيع لهم:/ أولئك الموتى في الطريق/ ليسوا ضحايا الرحلة القاسية/ إنهم الفجيعة الضرورية/ وعلى آثار عظامهم/ سنعود إلى المنزل الأول// فلا تحزن أيها الشاعر التعيس/ قطعان من أشعارك الماضية/ ستموت في هجرة التكرار/ لكنها/ سترسم طريق أجمل قصائدك/ إلى موطنها المعبأ بالأغاني والقشعريرة/ إلى الجحيم".
كتابة صالح زمانان قوامها البساطة والذات التي تحسن اتخاذ موقعها وتعرف كيف تدير النظر وتستخلص الرنة الملائمة وخيط النسيج الملائم لإكمال الضربة الشعرية. وهذا رهان مرهف وحاد، ومغر أيضا ينبغي أن ينتبه له الشاعر جيدا لئلا يفرط منه النص في الاسترسال ويقع في النثرية، وهنا مقتل البساطة، وشاهدي التمثيلي نص "هذا غيابك" الذي بدأ متماسكا وبعين مسرحية راصدة للوجوه وما يثوي خلفها من انفعالات، والأنا الشخصية تطوف بينها وفي المكان تتماس وتتقاطع وتنفر أيضا، غير أن هذه البداية النامية والدرامية شحب تأثيرها في مناجاة الصديق، فأضحى ما هو عيني وملموس انفعالا وجدانيا محضا يقترب من الإفضاء وعالم الصداقة لكنه يأخذ خطوة بعيدة ينأى فيها النص عن الشعر. هذه ملاحظة لا تقدح في "عائد من أبيه" بقدر ما تحرص أن ينتبه الشاعر إلى "فضيلة الحذف" وألا تغريه البساطة أن يغادر مقعد الشعر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.