أعاد اكتشاف نقوش أثرية قديمة بالقرب من ضفاف واديي بيش ولجب بمحافظة الداير شمال شرق جازان، من قبل أحد السكان، صياغة تاريخ استئناس الجمل في الجزيرة العربية. فبعد أن انقطع طريق سيارة الدفع الرباعي شرق الداير بفريق "الوطن" بصحبة الباحث الأكاديمي في الآثار بجامعة جازان الدكتور فيصل الطميحي ودليلين من سكان المنطقة، قطع الفريق ما يقارب الساعة مشيا على الأقدام متسلقا الصخور حتى وصل إلى الموقع الأثري. رسمان أثريان وأكد الدكتور الطميحي أن وجود واكتشاف مثل هذين الرسمين في الداير، التي تعود للعصر الحجري، قد يبعث على طرح أسئلة كثيرة حول بداية استئناس الجمل، وهناك آراء عدة لعلماء آثار كثيرين حول هذا الأمر، والرأي الغالب أن بداية استئناس الجمل كانت في جنوب الجزيرة العربية، أما تأريخ ذلك فهناك تفاوت، فتارة يجعلونه أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وأخرى سبعة آلاف سنة قبل الميلاد، والتاريخ الأخير وفق معطيات أثرية تم العثور عليها في موقع السهي، الواقع جنوب منطقة جازان. وتابع "نرى أن العلماء يختلفون في تحديد التاريخ الفعلي لاستئناس الجمل لكنهم، وحسب التواريخ المشار إليها، يتفقون على أنه كان في العصر الحجري الحديث". استئناس الجمل وأكد الدكتور الطميحي أن هذا الشاهد الأثري سيطرح أسئلة عدة حول الموضوع المتعلق ببداية استئناس الجمل، فهل كانت منطقة جازان هي المنطقة التي شهدت ذلك الإنجاز الذي يعد قفزة هائلة في جانب من جوانب الحضارة الإنسانية، ونعني به النقل والمواصلات، أيا كان الأمر فإن دراسة هذا الشاهد الأثري سيكون لها بلا شك دور كبير في إثراء معارفنا الأثرية عن المنطقة وتاريخها الموغل في القدم. وأضاف الدكتور الطميحي أن هناك أماكن عدة استوطنها الإنسان القديم واستقر بها، وحسب الدلائل الأثرية، فإن ضفاف الأنهار والأودية كانت ومنذ أقدم العصور تعد من تلك البيئات الملائمة جدا لذلك الغرض، إذ تتوافر بها جميع الضروريات اللازمة، والمتوافقة مع ظروف الحياة القديمة. استيطان بشري وكان من غير المستبعد العثور على دليل أثري يؤكد أن الاستيطان البشري كان قديما في المكان، وقد تم أخيرا العثور فعلا على موضع في المكان يحتوي على رسوم صخرية تعود إلى عصر ما قبل التاريخ "العصر الحجري". وبين الدكتور الطميحي أن هذا الموقع الأثري ونقوشه لم يتم اكتشافه ولم يسبق الإشارة إليه من قبل، غير أن محتويات تلك الرسومات الصخرية كانت مثيرة للاهتمام، وبها ما يلفت النظر بشدة، فمن تلك الرسومات، ومعظمها غير واضح، وهي قليلة على العموم، يبرز من بينها رسمان مثيران ولافتان جدا، رسم يمثل جملين، أحدهما كبير، والآخر صغير، وقد جرى نقشهما على صفحة إحدى الصخور بطريقة بدائية، فالأطراف تم رسمها على هيئة الأعواد، أما السنام فقد جرى رسمه على هيئة نصف كرة بيضاوية، العارف بالرسوم الصخرية في عصر ما قبل التاريخ سيثير استغرابه وجود مثل هذين الرسمين البدائيين للجملين، الكبير والصغير، على ذلك الارتفاع الشاهق، وفي تلك المنطقة الجبلية الوعرة للغاية. لقد تم العثور من قبل على رسوم آدمية وأخرى حيوانية، بالقرب من أطراف بحيرة جافة في جبال الريث أيضا، وإلى الشرق من وادي لجب، تعود إلى عصر ما قبل التاريخ، لكن ليس من بينها رسم لجمل أبدا، والجمل حيوان صحراوي، وكلنا يعرف ذلك، والرسوم الصخرية التي وجدت للجمل في عصر ما قبل التاريخ "العصر الحجري الحديث"، هي رسوم نفذت بطريقة قريبة إلى الواقع نسبيا، وكلها نفّذت على صخور في الصحراء، أو قريبة منها، لكن ليست على ذلك الارتفاع والوعورة، ونحن نتحدث هنا بطبيعة الحال عن الجمل العربي ذي السنام الواحد. وأضاف الطميحي أن الرسمين الأثريين المهمين، يجب أن يلفتا نظر الهيئة العامة للسياحة والآثار للمكان، الذي زاد أهمية فوق أهميته فما عاد مزارا سياحيا فقط، بل صار موقعا أثريا مهما ينبغي تسجيله ودراسته والمحافظة عليه. ناقة وصغيرها هذه النقوش هي رسوم أثرت فيها عاديات الزمن، ويظهر منها بشكل واضح رسمان لجملين تم تنفيذهما بطريقة بدائية جدا، الأطراف على شكل أعواد أما السنام والظهر فعلى هيئة قبة أقرب إلى الاستطالة، تم شغلهما كاملا بالنقاط عن طريق النقر، والذيل يرتفع إلى أعلى، وشكل آخر يشبه الذيل في أعلى السنام ويميل نحو اليمين، والرسمان لجمل كبير وآخر صغير، وكأنما هما ناقة وصغيرها، ويبدو من شكل الرسم أنهما يقفان في هدوء وطمأنينة، وبالقرب منهما يبدو رسم جمل آخر على نحو أقل وضوحا، وتم تنفيذه بالطريقة ذاتها، لكن يظهر ما يشبه الحبل بطرفين يصل ما بين رأسه وسنامه، ولا يتضح من رسم هذا الجمل ما إذا كان أحد يمتطيه، تنفيذ الرسوم على ذلك النحو يدل بلا شك على أنها تعود إلى عصر قديم جدا، وهي على الأرجح تعود إلى العصر الحجري، وفيه ما قد يطرح أسئلة كثيرة حول استئناس الجمل، لقد تم العثور على رسوم عدة للجمل تعود إلى نهايات العصر الحجري الحديث، في أماكن عدة من المملكة، لكن يغلب على تلك الرسوم أن بها نوعا من الجودة في التنفيذ على عكس رسوم وادي لجب، وهذا يدل على عتاقة الأخيرة وبفترة طويلة تسبق غيرها من رسوم الجمال، ويؤكد عتاقة رسوم وادي لجب العثور في المكان نفسه على أدوات حجرية نرجح أنها تعود إلى العصر الحجري الوسيط، وهذا يقودنا أيضا إلى النقطة التي قلناها سابقا حول نظرية استئناس الجمل التي تتباين آراء العلماء والباحثين حولها. ويضيف الدكتور الطميحي أن هيئة المكان الذي عثر على الرسوم الأثرية به توحي بأن نهرا طاغيا كان يجري في المكان، إلا أنه أخذ في النقصان التدريجي، حتى صار مجرد ينابيع صغيرة. وبحكم ارتفاعه عن سطح البحر بنحو 1200م، فهو ذو مناخ لطيف الأجواء دوما، وبه ينابيع ماء تتدفق على مدار العام، كل ذلك وغيره جعل من ذلك المكان مقصدا سياحيا جميلا للكثير من الناس من داخل المنطقة وخارجها.
