لم تستطع لائحة وزارة الخدمة المدنية المقرة منذ أن كانت تعرف ب"الديوان العام للخدمة المدنية" قبل 35 عاما منع تجاوز جهات حكومية في التعيين على بند الأجور، فيما لا تزال بعض الجهات تتحايل بذكاء على مضمون القرار الذي تصدى لهذه الظاهرة ومنع حالات التوظيف العشوائي غير المقنن، وطالب جميع المؤسسات العامة والهيئات والجامعات بعدم التعيين على وظائف لائحتي المستخدمين وبند الأجور، غير أن خبيراً في القوى البشرية كشف أن ثنائيات قاتلة وازدواجية في التعامل مع الموظفين ستظلان تغذيان ظاهرة مخالفات التعيين على البندين. محتوى اللائحة لائحة وزارة الخدمة المدنية الصادر منذ 35 عاماً نصت في مادتها الثالثة على أنه "لا يجوز أن يعين على بند الأجور من غير المجموعات المحددة في المادة السابقة، ويجوز لوزارة المالية بالاتفاق مع الديوان العام للخدمة المدنية "وزارة الخدمة المدنية حالياً"، إضافة مسميات جديدة لم تشملها اللائحة"، في حين لم يكتف المقام السامي بأمره الصادر حديثاً، بل فوّض الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بمتابعة الالتزام بتطبيق القرار ومعاقبة الأشخاص المخالفين لما ورد في التعميم. وشدد المقام السامي على ضرورة أن تكون المسؤولية في التعيين تضامنية بين كل من المسؤول الأول في كل جهاز حكومي، ومسؤول القوى العاملة، والمراقب المالي، ومدير الإدارة المختصة. إعلانات التوظيف ولم يمنع هذا التقنين الجهات الحكومية من الاستمرار في الإعلان عبر الصحف عن الحاجة عن موظفين على هذا البند، وكان من ضمنهم جامعة سلمان بن عبدالعزيز بالخرج، بحسب ما أكده مسؤول العلاقات العامة فيها الدكتور تركي الظفيري ل"الوطن"، وقال إنه لا يوجد منع للتعيين على وظائف بند الأجور والمستخدمين، وإن الحاجة ما زالت قائمة لمن يشغلون هذه الفئات حسب المتاح والشاغر لدى الجامعة، لذا أعلنت الجامعة عن توفر وظائف لديها على بند الأجور والمستخدمين، كما أجرت مسابقات وظيفية للمتقدمين على هذين البندين، على أن يتم إعلان نتائجها لاحقا وإشعار المتقدمين برسائل نصية. تحايل على الأنظمة بندر عبدالعزيز الضبعان كاتب صحفي ومستشار في إدارة الموارد البشرية قال ل"الوطن" إن التعيين على بند الأجور جاء في الأصل لسد الاحتياج الطارئ من الأيدي العاملة في الجهات الحكومية، لكن لوحظ أن بعض الجهات أفرطت في استخدام هذ الحل السريع، من باب التحايل على الأنظمة واللوائح، بل إن بعضها تلتف على القرارات الصادرة بشأن التعيين على البنود، بطرق مختلفة، منها التعاقد مع شركات لتقديم خدمات معينة "غالبا تأتي في صورة خدمات استشارية"، لكن في الواقع تقوم هذه الشركات بتعيين موظفين وموظفات تحت اسمها ويعملون لصالح الجهة الحكومية وداخل مقرها، والفرق أن رواتبهم تدفع عن طريق الشركة المتعاقد معها. ويضيف الضبعان أن وزارة المالية قد أشارت إلى أن العديد من التجاوزات حدثت في الجامعات والمؤسسات العامة والهيئات الأخرى التي ليس لديها مراقبون ماليون من الوزارة، مما أدى إلى عدم ملاحظة تلك التجاوزات في التعيين على البنود، علما أن المقام السامي قد أكد على أن يكون المسؤول الأول في الجهاز الحكومي، والمسؤول عن القوى العاملة "الموارد البشرية"، والمراقب المالي، ومدير الإدارة المختصة مسؤولون بالتضامن عن تطبيق الأمر السامي ذي الرقم 8422، وتاريخ 25/6/1433ه، والأمر السامي ذي الرقم 1895، وتاريخ 23/3/1432 ه، مع توجيه الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالتحقق من تطبيقهما والرفع للمقام السامي لمعاقبة المخالفين. ويشير إلى أن ظاهرة مخالفات التعيين على بند الأجور والمستخدمين تعكس أمرين: تفشي البيروقراطية أو المركزية الشديدة عند اتخاذ القرارات الإدارية والمالية في القطاع الحكومي، وعدم توفر المرونة الكافية في الأنظمة الإدارية "أنظمة ولوائح الخدمة المدنية والعمل"، والأنظمة المالية "الأنظمة واللوائح المتعلقة بالمصروفات والإيرادات والعقود والمشتريات الحكومية". ازدواجيات وثنائيات وأرجع الضبعان الظاهرة إلى وجود ازدواجية قانونية وإدارية ومالية في التعامل مع الموظفين، إلى جانب وجود نظامين للعمل "نظام الخدمة المدنية ونظام العمل"، ونظامين للتقاعد "نظام التقاعد ونظام التأمينات الاجتماعية"، ووزارتين للعمل "وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل"، إلى جانب وجود مؤسستين للتقاعد "المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية"، وشركتين استثماريتين للتقاعد "رائد وحصانة"، وثلاث مؤسسات للتدريب "معهد الإدارة العامة، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وصندوق تنمية الموارد البشرية". ولفت إلى أن هذه الثنائيات في التعامل مع الأشياء تحفز الجهات الحكومية على التعيين على البنود إما بحسن نية أي محاولة سد النقص من الكوادر البشرية لتحقيق مستوى أعلى من الخدمة، أو ربما بسوء نية من خلال تعيين الأفراد من باب المنفعة الشخصية، مشيراً إلى ضرورة وجود أنظمة "إدارية ومالية" ترشد نحو كيفية العمل بصورة صائبة، وليس إلى أنظمة تكبل وتعوق عن التطور ومواكبة الجيران.