البلد.. المنطقة الواقعة في قلب جدة "عروس البحر الأحمر"، تحلو ليالي رمضان بزيارتها والصلاة في مساجدها والتبضع من محالها، وتناول الكبدة على بسطاتها وعرق السوس من بائعيها. كل من نشأ وتربى في جدة، يهرع إلى البلد في هذا الشهر الفضيل، ليجدد ذكرياته في باب مكة وشارع قابل وعلى مقربة من الكورنيش. اعتاد أهالي هذه المدينة الساحلية على قضاء ساعات الليل بين أزقة منطقة البلد الضيقة، من بعد التراويح وحتى بزوغ الفجر في أجواء ممتعة لا تتكرر إلا في هذا الشهر من كل عام. ويلفت مسامع الزائر للمنطقة التاريخية الأهازيج الحجازية ورائحة الشواء المتطاير من مباسط الكبدة ببرحة الكورنيش بالبلد الممزوجة بإيقاع الأواني والأدوات التي تطهى بها، حيث تنتشر على جانب مدخل البرحة بسطات بيع الكبدة المزينة بالأنوار والجلسات العائلية المخصصة بجانب هذه المباسط، ويحرص على زيارتها مختلف الشرائح من الأعمار ما بين موظفين وطلاب ومتقاعدين وربات منازل في الوقت الذي يعتبر البائعين ذلك استثمار ودخل لهم خلال الشهر الفضيل، بالإضافة إلى أنها عادة سنوية حرص عليها العاملون في هذه المباسط، فبرغم من أنها تتسم بالبساطة إلا أنها تستهوي العديد من الزائرين لمنطقة جدة التاريخية وتجذب السكان من كافة الأحياء لتذوق الكبدة الطازجة في أجواء رمضانية تتسم بالروحانية. في جولة ل"الوطن" على مباسط الكبدة يقول البائع سليمان التركي تعتبر هذه المهنة من العادات القديمة في المنطقة، مبررا تميز البائعين بما يقدمونه من أطباق الكبدة الطازجة حتى أصبحوا ينافسون الباعة الآخرين داخل الأحياء، موضحا أنه يعمل في أحد القطاعات في الفترة الصباحية لكن يحرص كل عام مع دخول الشهر الفضيل في تجهيز بسطة لبيع الكبدة والحصول على ترخيص من البلدة لإقامتها، ويضيف أن بسطته تتكون من الصاج وأدوات الطبخ وطاولة وثلاجة لحفظ الكبدة حتى تبقى طازجة. وعن طرق جلب الكبدة يقول التركي: نقوم بجلبها من مسلخ الذبح، حيث يحرص على بيع كبدة الغنم بعد التأكد من جودتها، مضيفا أنه يقوم بتقطيعها وتتبيلها بخلطة خاصة ميزته بشهادة زبائنه الذين يتوافدون عليه من كافة أحياء جدة. وأمام طاولة أخرى يقف خلف الصاج المتوهج، والذي تنبعث منه رائحة شواء الكبدة البائع أمين عبدالصمد، فبرغم من انشغاله بتلبية طلبات الزبائن إلا أنه خصص لنا وقتا قصيرا للحديث معنا، يقول أعمل في بسطات الكبدة منذ طفولتي حيث تعلمت على يد والدي منذ أن كان عمري 10 سنوات، وبعد وفاته سرت على نهجه في صنع الكبدة وبيعها في موسم رمضان، موضحا أن العمل خلال الشهر الفضيل في مباسط الكبدة يعتبر استثمارا وكسبا ماديا مربح. وأضاف لدينا طلبات عدة على الكبدة منذ اليوم الأول من دخول شهر رمضان، مما دفعنا إلى زيادة الكميات، حيث يفضل زوار المنطقة التاريخية تذوق الكبدة الطازجة وقضاء الليالي الرمضانية بين التسوق في المنطقة وتناول الأكلات الشعبية المنتشرة في كافة الأماكن بالبلد. وفي جانب الجلسات العائلية يستمع أحمد الغامدي مع أسرته في تناول أطباق الكبدة الطازجة، موضحا أنه يحرص كل عام مع دخول شهر رمضان على زيارة منطقة البلد وتحديدا برحة الكورنيش التي خصصت لبسطات الكبدة، مشيرا إلى أنه يأتي من شمال جدة كل نهاية أسبوع للانضمام إلى الجلسات العائلية والاستمتاع مع أسرته بأريحية تامة.
