أثار الاعتراف الإسرائيلي ب«جمهورية أرض الصومال» حفيظة الدول العربية وعدد من الدول الإفريقية، وكأن تلك «الجمهورية» انفصلت بالأمس القريب عن جمهورية الصومال المعترف بها دوليا. الأكثر إثارة أن يقفز بنيامين نتنياهو ليجد موطئ قدم في منطقة القرن الإفريقي، ليس فقط لنفي بضع مئات الآلاف من الفلسطينيين الغزيين إليه، بل أيضا لتأكيد أن لديه «منطقا» في تأييد كل مشروع تقسيمي في أي بلد عربي، ما يمكن أن ينطبق على تقسيم قطاع غزة الذي دمره ليصبح منطقة غير قابلة للعيش فيها، وعلى الضفة الغربية التي يُراد تحويلها إلى كانتونات مقطعة الأوصال «تحت السيادة الإسرائيلية». لكنه قد ينطبق أيضا على سوريا حيث تشجع إسرائيل إقليم حكم ذاتي للدروز وآخر للكرد وثالثا للعلويين، وربما يرغب في دعم مشاريع الانفصال في اليمن وغيره من الدول. بالنسبة إلى «أرض الصومال»، تحديدا، لم يخترع نتنياهو شيئا بل وجد أمامه وضعا ناضجا ينسجم مع شرق أوسطه الجديد. فهذه منطقة نأت بنفسها عن الحرب الأهلية الصومالية وانفصلت عن «الدولة الأم» منذ 1991، ولها أهمية إستراتيجية بإطلالتها على خليج عدن وباب المندب وقربها من البحر الأحمر الذي ازدادت أهميته بفعل الحرب الحوثية (- الإيرانية) على الملاحة الدولية. أي أنها في موقع كان ولا يزال يُعتبر «منطقة أمريكية». ومع أن الدول العربية، خصوصا الخليجية، تدرك ميزات «أرض الصومال» هذه وحاولت التعامل معها في إطار القانون الدولي واحترام سيادة الدول إلا أنها لم تستطع إعادة توحيد الدولة الصومالية التي كانت ولدت مجزأة أصلا بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ثم زادت تجزئة بأيدي جارتيها كينيا وإثيوبيا، وكانت الأخيرة تعاقدت مع «أرض الصومال» للحصول على «موقع تجاري» على خليج عدن فاستأجرت جزءا في ميناء بربرة لتتولى قواتها البحرية إدارته. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تحصل على أي خدمات لوجستية تحتاجها من «أرض الصومال» إلا أنها لم تشأ الاعتراف بها بسبب الاعتبارات القانونية نفسها، لكن لدى الخارجية الأمريكية ملفا يبرر ذلك الاعتراف، أسوة بالاعتراف باستقلال كوسوفو (2008)، سواء بالمصالح الأمريكية أو باحتدام التنافس مع الصين (وحتى مع إيران) على تلك المنطقة... قبيل لقائه المرتقب مع الرئيس دونالد ترمب في فلوريدا، صنع نتنياهو سابقة إقليمية ودولية، فلا مشكلة لديه في انتهاك القوانين الدولية، أو في التشبه بصديقه/ حليفه الذي لم يتخل عن مشاريع مخالفة لكل القوانين مثل احتلال كندا وامتلاك قناة بنما وجزيرة غرينلاند الدانماركية التي عين أخيرا مبعوثا خاصا لها وكأنه بدأ عمليا فصلها عن الدانمارك. لا شك أن هذه الطموحات الترمبية المعلنة شجعت نتنياهو على الاعتراف ب«أرض الصومال»، خصوصا أنه وترمب يتشاركان الأفكار نفسها في شأن غزة وسكانها وإعادة إعمارها. في جعبة رئيس الوزراء الإسرائيلي «معلومات استخبارية» لإقناع الرئيس الأمريكي بمعاودة الحرب على إيران، والذريعة الكبرى أن هناك «فرصة» إقليمية قد لا تتكرر للقضاء نهائيا على أي نفوذ إيراني. لكن الأهم أن الحروب التي شهدتها وتشهدها المنطقة أسفرت عن «ترند» يروج ل«الانفصال و/ أو التقسيم»، وهناك مصلحة لأمريكا وإسرائيل في تفعيله... بدءا من فلسطين حيث يمكن استدامة العمل الأمريكي- الإسرائيلي طوال عقدين على إبقاء «التوافق» بين الفصيلين الرئيسيين ضربا من المستحيل. وقبل عقد ونصف العقد نجحت سابقة انفصال جنوب السودان، وحاليا تدفع الحرب الداخلية السودان إلى منعطف خطير يهدد وحدته، بعدما غدت الفجوة بين الطرفين المتقاتلين أكبر من أي خطة دولية تطمح إلى «هدنة إنسانية» متعثرة، وأوسع من أن تُردم لاستعادة التعايش والاستقرار في «حل سياسي» يزداد تعقيدا وصعوبة. وفي اليمن الذي انقسم عام 2014 إلى شطرين: حكومة شرعية متخذة من عدن مقرا في الجنوب، وعصابة حوثية مسيطرة على العاصمة صنعاء شمالا، تحرك أخيرا المشروع الانفصالي المعلن جنوبا ولم يتضح مغزى توقيته لكنه عطل فاعلية الحكومة الشرعية ووجودها على أرض اليمن، وبات عمليا غير معني بالصراع مع الحوثيين. ولهذا التحرك الانفصالي تداعيات لما تتبلور بعد، لكن «التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن» مستمر بتنسيق معلن بين السعودية والإمارات. أما في سوريا التي تمكن حكمها الجديد، بفضل دعم عربي، من تفكيك حصار العقوبات الدولية، فإنه يواجه حاليا الرعاية الإسرائيلية ل«تحالف المتضررين» من سقوط النظام السابق. غير أن الدعم الإسرائيلي العلني للأقليات كي تنشئ كياناتها المستقلة قد يشكل غطاءً لتدخلات دول أخرى، بينها إيران. ومع أن الولايات المتحدة أكدت مرارا بقاء الدولة والأراضي السورية موحدة، إلا أنها لم تعمل جديا على لجم الخطط الإسرائيلية، لا لدروز السويداء ولا لأكراد «قوات سوريا الديمقراطية» ولا للفلول في الساحل. * ينشر بالتزامن مع موقع «النهار العربي»