الوقت جوهرة الحياة، ورأس المال الحقيقي للإنسان، إذا تصدعت أركانه بمعاول الضياع، الوهم، التمني، الزيف غادر التوفيق، النجاح الطمأنينة ربيع الأيام، وحل محلها القلق، الاكتئاب، الحسرة. كان يُقال في الماضي قل لي من تُصاحب أقل لك من أنت، واليوم في عصرنا الرقمي قل لي ماذا تكتب وتنشر في وسائل التواصل أعرف من أنت؟. ويرى علماء النفس وجود علاقة بين الإدمان الإلكتروني، والاضطرابات النفسية، وما ينتج عنها من العزلة، وقطع جسور التواصل مع الأهل، والاصدقاء، والجيران. إنها مرحلة خطيرة تقود الإنسان إلى السقوط في الوهم الافتراضي، وبيئته المفلسة، فيسعى إلى التعويض بالبحث عن أضواء المناسبات، وتسويق يومياته الهزيلة، ويتوهم أنه من أهل الثقافة والفكر والإعلام والتأثير. ويزداد نزيف القلق بسبب حزمة أسئلة فارغة على مدار الساعة، تفترس أعصابه، تلاحقه أينما حل وارتحل، ماذا يشاهد في جواله، ومتى يُغرد؟ وكيف يختار مقطعاً على طريقة قص ولزق؟ وكم عدد من يتابعه؟ ومن كال له المدح؟ وبعد هذا العناء اليومي يشعر أن أوقاته تحولت إلى رماد تذروه الرياح. وحتى نتخلص من تلك الأوهام والأحمال علينا أن نمنح نفوسنا فترة نقاهة كاملة، والعودة إلى حياتنا الطبيعية، التي يتوافر فيها الهدوء والطمأنينة، ونبتعد قدر الإمكان عن الضوضاء الإلكترونية، فرط الحركة، وتشتت البصر والتشبع بالهموم. معطيات الحضارة، ومنها هذه الوسائل، جاءت لتعزيز التواصل، وتبادل المعلومات، وتقريب المسافات، لكن سوء توظيفها وفق الأهواء جعل سلبياتها كبيرة ومستفحلة، إلى جانب الأضرار الصحية على العينين، الرأس، الرقبة، العمود الفقري، وما يصاحبها من اضطرابات النوم، وعدم التركيز. يطرح الدكتور رضا عواضه في كتابه «سنابل الحكمة» عدداُ من الأسئلة فيقول: «هناك من يُفتّش عن المتاعب في كل مكان فلماذا؟ أليس ذلك خسارة وحرماناً من التمتع بنعمة السعادة ونور الحياة وفرح العمر وهناء الأيام؟، ولماذا يستهلك الإنسان همته وأعصابه بالبحث عن أوهام الدنيا، وشتى انواع القلق فيها»؟. أعتقد أن الإجابة عن هذه الأسئلة مطلوبة بشفافية وصدق، لكل من جعل المحمول وتطبيقاته هدفه وغايته وهمه اليومي دون فائدة تعود عليه، وعلى وطنه ومجتمعه. هل يتفضل بالإجابة كل من أقحم نفسه في مجالات ليست من شؤونه، واختصاصه، وحمل نفسه ما لا يُطيق؟.