تواجه مناطق واسعة في جنوب السودان والسودان ضغوطا متزامنة ناتجة عن تداخل الأزمات البيئية والأمنية، في مشهد يعكس هشاشة الاستقرار في إقليم يعاني أصلا إرثا طويلا من الصراعات وضعف البنية التحتية. ففي جنوب السودان، تواصل الفيضانات المتكررة، المرتبطة بتغير المناخ، تهديد المجتمعات المحلية وسبل عيشها، بينما تشهد ولايات سودانية، أبرزها جنوب كردفان وشمال كردفان، تصعيدا عسكريا متواصلا مع تجدد هجمات قوات الدعم السريع، ما يفاقم الأوضاع الإنسانية ويعطل الحركة الاقتصادية. فيضانات مزمنة يُعد جنوب السودان من أكثر دول شرق إفريقيا تأثرا بتغير المناخ، حيث يشهد فيضانات واسعة النطاق للعام السادس على التوالي. ووفقا لمكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تسببت الفيضانات هذا العام وحده في نزوح أكثر من 375 ألف شخص، في ظل بنية تحتية محدودة وقدرات استجابة ضعيفة. وتتركز آثار هذه الفيضانات في المناطق الواقعة على امتداد نهر النيل والمناطق المستنقعية المحيطة به، حيث تغمر المياه مساحات واسعة من الأراضي السكنية والزراعية، وتؤدي إلى تآكل التربة وفقدان الأراضي الصالحة للسكن والزراعة. وتشير دراسات بحثية، من بينها ورقة صادرة عن المعهد النرويجي للسياسة الخارجية في مارس 2025، إلى أن الفيضانات الموسمية أصبحت أكثر حدة وأقل قابلية للتنبؤ مقارنة بالعقود السابقة، مع تغير أنماط انحسار المياه خلال مواسم الجفاف. تداعيات متراكمة أدت الفيضانات المستمرة إلى تغييرات عميقة بأنماط المعيشة التقليدية في بعض مناطق جنوب السودان، حيث تراجعت الزراعة وتربية الماشية بشكل ملحوظ لمصلحة الاعتماد شبه الكامل على صيد الأسماك. وهذا التحول القسري قلّص مصادر الدخل ورفع مستويات الفقر، في وقت تعاني فيه البلاد عدم استقرار سياسي ممتد منذ سنوات. كما أسهمت الفيضانات في تعطيل الخدمات الأساسية، بما في ذلك التعليم، حيث أُغلقت مدارس حديثة الإنشاء بسبب غمرها بالمياه، ما فاقم من تحديات الوصول إلى التعليم في المناطق الريفية. وتعكس هذه الأوضاع عجز السلطات المحلية عن تنفيذ حلول طويلة الأمد في ظل محدودية الموارد واستمرار الأزمات المناخية. تصعيد عسكري بالتوازي مع الأزمة البيئية في جنوب السودان، يشهد السودان تصعيدا أمنيا متواصلا، حيث جددت قوات الدعم السريع، لليوم الثاني على التوالي، هجماتها بطائرات مسيرة على مدينة كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان. وتركزت الضربات على الأحياء الشرقية للمدينة، ما تسبب في حالة من الذعر بين السكان، في ظل أوضاع معيشية صعبة تعاني فيها المدينة الحصار، وانقطاع الاتصالات، وشح السيولة النقدية. شمال كردفان في ولاية شمال كردفان، كثفت قوات الدعم السريع استهدافها التحركات على طريق أم روابة – الرهد – الأبيض، وهو شريان حيوي يربط مدينة الأبيض بولاية النيل الأبيض. وشملت الهجمات استهداف شاحنات تجارية عبر غارات جوية متكررة لليوم الخامس على التوالي، في مسعى لعرقلة الحركة التجارية، ووقف تدفق السلع إلى مدينة الأبيض. ويأتي هذا التصعيد على الرغم من سيطرة الجيش السوداني على الطريق منذ فبراير الماضي، بعد فك الحصار عن مدينة الأبيض، وإجبار قوات الدعم السريع على التراجع من مناطق جنوب شرق الولاية. البعد الدولي أسفرت إحدى هجمات الطائرات المسيرة عن استهداف مقر تابع لبعثة الأممالمتحدة في كادوقلي، ما أدى إلى مقتل ستة من القوات البنغالية. وقد جرى إجلاء الضحايا بمساعدة الجيش السوداني، بينما أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الهجوم بشدة، داعيا أطراف النزاع إلى وقف الأعمال الحربية فورا. وتسلط هذه التطورات الضوء على المخاطر المتزايدة التي تواجهها البعثات الدولية والعاملون في المجال الإنساني، في ظل اتساع رقعة المواجهات، واستخدام الطائرات المسيرة في مناطق مأهولة.