تشهد الأراضي الفلسطينية تداخلًا غير مسبوق بين تصعيد عنف المستوطنين في الضفة الغربية وخطوة دولية مفصلية تمثلت في تصويت مجلس الأمن لصالح خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الخاصة بإدارة غزة ما بعد الحرب. وقد أعاد هذا التزامن رسم المشهد السياسي والأمني في المنطقة، حيث تتزايد المخاوف من انفلات ميداني يقابله ضغط دبلوماسي لإعادة هيكلة ترتيبات الحكم والأمن داخل القطاع. سلوك المستوطنين ووقع هجوم دهس وطعن عند تقاطع غوش عتصيون، أسفر عن مقتل إسرائيلي وإصابة ثلاثة آخرين، وفق خدمات الإنقاذ. وجاء الهجوم مباشرة بعد سلسلة من الاعتداءات الواسعة نفذها مستوطنون على قرى فلسطينية، كان أبرزها اقتحام الجبعة وإحراق منازل وسيارات، مما دفع الجيش الإسرائيلي إلى إرسال تعزيزات. وتشير المعطيات إلى نمط متضاعف من الهجمات التي ينفذها المستوطنون، سواء بدافع الانتقام أو لحماية البؤر الاستيطانية غير المرخصة. وقد أعلنت الشرطة اعتقال ستة مشتبه بهم في مواجهات رافقت عمليات هدم لبؤرة قائمة فوق تلة كانت مرشحة للإخلاء، حيث رشق المستوطنون القوات بالحجارة والقضبان المعدنية وأحرقوا الإطارات. خطة ترمب ورحّب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالتصويت الأممي، واعتبر أن خطة ترمب يمكن أن تؤسس لسلام وازدهار جديدين من خلال نزع سلاح غزة وإزالة ما وصفه بالتطرف. وتمنح الخطة تفويضًا واسعًا لقوة دولية لتأمين القطاع، وتؤسس لمرحلة انتقالية عبر «مجلس السلام» بإشراف مباشر من الإدارة الأمريكية. وتصور الخطة مسارًا سياسيًا محتملًا يقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقبلية، لكنه مشروط بإعادة إعمار غزة وتنفيذ إصلاحات مؤسسية واسعة داخل السلطة الفلسطينية، ما يجعل المسار السياسي مؤجلًا في المدى القريب. رفض حماس وأعلنت حركة حماس رفضها للقرار، معتبرة أن منح القوة الدولية صلاحيات نزع السلاح يجعلها طرفًا في الصراع وليست جهة محايدة. وأشارت إلى أن أي وجود دولي يجب أن يكون تحت الإشراف الكامل للأمم المتحدة، وأن يقتصر دوره على مراقبة وقف إطلاق النار بدل أن يتحول إلى جهاز أمني فوقي داخل غزة. وأكدت الحركة أنه لا يمكن قبول أي ترتيبات تتجاوز المؤسسات الفلسطينية أو تفرض بنية أمنية لا تعبّر عن إرادة الشعب. السلطة الفلسطينية وعلى خلاف موقف حماس، رحّبت السلطة الفلسطينية بالقرار الأممي وأكدت استعدادها لتنفيذه بالتعاون مع واشنطن والأمم المتحدة ودول عربية وأوروبية. ويأتي هذا الموقف رغم التراجع الكبير في نفوذ السلطة داخل القطاع وتهالك مصداقيتها في الضفة الغربية، حيث ينظر إليها جزء واسع من الفلسطينيين باعتبارها جهازًا تابعًا للاحتلال من خلال التنسيق الأمني. ويُعد تضمين القرار بندًا يفتح الباب أمام قيام دولة فلسطينية أحد الأسباب الأساسية لتمسك السلطة به، رغم غياب جدول زمني واضح وضمانات إلزامية. الضغوط الدبلوماسية ويخضع القرار الأممي لمفاوضات مكثفة قادتها الولاياتالمتحدة بالتوازي مع دول عربية وإسلامية كانت لها مساهمة مباشرة في تثبيت وقف إطلاق النار السابق. وأصدرت واشنطن بيانًا مشتركًا مع قطر والسعودية والإمارات ومصر والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان يدعو إلى «التبني السريع» للخطة. وتعهدت دول عدة، بينها تركيا وإندونيسيا، بالعمل من أجل مسار حل الدولتين، فيما أبدت أنقرة استعدادها للمشاركة في القوة الدولية رغم معارضة إسرائيل لهذا الدور. إعادة الإعمار ويأتي التصويت الأممي في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة في غزة، حيث تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 69 ألفًا، بينما تواصل المستشفيات العمل بقدرات شبه معدومة. ودعت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر إلى تنفيذ عاجل لخطة النقاط العشرين، وفتح جميع المعابر، ورفع القيود لإغراق القطاع بالمساعدات. وتشمل الخطة كذلك ترتيبات أمنية مشتركة بين القوة الدولية والشرطة الفلسطينية، إضافة إلى انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية وفق معايير تحددها القوة الدولية والولاياتالمتحدة والدول الضامنة. عنف المستوطنين ويعود تاريخ عنف المستوطنين في الضفة الغربية والقدس إلى بدايات المشروع الاستيطاني في أواخر ستينيات القرن الماضي، لكنه شهد تحولًا نوعيًا منذ الثمانينيات مع توسع البؤر العشوائية وظهور جماعات عقائدية تتبنى العنف كوسيلة لفرض واقع ديموغرافي وجغرافي جديد. وفي العقدين الأخيرين، اتسع نطاق الهجمات بشكل ملحوظ مع بروز مجموعات شديدة التطرف مثل شباب التلال، التي تبنت استراتيجية تقوم على إحراق المنازل والمساجد والمزارع، وإغلاق الطرق، ورشق المركبات الفلسطينية بالحجارة، وإتلاف الأراضي الزراعية لمنع الفلسطينيين من الوصول إليها. تراخٍ بنيوي ورغم أن الحكومات الإسرائيلية تعلن باستمرار رفضها للعنف، فإن الواقع الميداني يُظهر تراخيًا بنيويًا يسمح للمستوطنين بالتحرك بحرية شبه كاملة. وقد وثقت منظمات إسرائيلية ودولية مئات الحوادث التي لم تُفتح فيها تحقيقات جدية، أو أغلقت دون توجيه اتهامات. وشهدت سنوات ما بعد عام 2015 تصاعدًا حادًا، خاصة بعد جريمة إحراق عائلة دوابشة في دوما، التي أثارت غضبًا واسعًا لكنها لم تشكل رادعًا فعليًا لنمط الهجمات. وتزامن هذا التصاعد مع توسع الحماية السياسية للمستوطنين، وتعقيد إجراءات المحاسبة، وظهور خطاب رسمي يركز على شرعية الوجود الاستيطاني بدلًا من ضبطه. طابع ميليشياوي وفي الأعوام الأخيرة، أخذ العنف طابعًا شبه ميليشياوي منظم، حيث تتحرك مجموعات مزودة بأسلحة وبحماية غير مباشرة، خاصة في المناطق القريبة من البؤر العشوائية. وتُظهر التقارير أن الهجمات لم تعد محصورة في ردود فعل ظرفية، بل أصبحت جزءًا من استراتيجية تهدف إلى انتزاع مساحات إضافية عبر الضغط المستمر على التجمعات الريفية الفلسطينية وإجبارها على النزوح. ويؤكد مراقبون أن هذا النمط المتراكم من العنف أسهم في تغيير الخريطة السكانية في الضفة الغربية، وفي خلق بيئة تُضعف قدرة الفلسطينيين على البقاء في أراضيهم، مما يجعل عنف المستوطنين عنصرًا مركزيًا في بنية الصراع الراهن، وليس مجرد ظاهرة هامشية أو عابرة. خطة ترمب: • إنشاء مجلس السلام كهيئة انتقالية لإدارة غزة • تفويض دولي واسع لقوة متعددة الجنسيات • نزع سلاح الجماعات المسلحة بالكامل • ربط قيام الدولة الفلسطينية بإعادة الإعمار والإصلاح المؤسسي • انسحاب إسرائيلي تدريجي وفق معايير أمنية محددة • إدارة مشتركة للمساعدات ومراقبة الحدود • تنظيم قوة شرطة فلسطينية معتمدة دوليًا